التعدّيات على أملاك الدولة تتواصل عبر “دويلة التشبيح”… وأكثر من ٤٠٪ من المشاعات “طارت”!
الأمن الذاتي وقوى الأمر الواقع تلعب الدور الأكبر بفرض السلطة على الدولة، تحت عنوان “دويلة التشبيح”، التي تحمي وترفع الغطاء عن المعتدين و”على عينك يا دولة”، فتفسح المجال بالبناء والتصرّف وكأنها تمتلك تلك المشاعات، من دون الحصول على الأذونات القانونية، فضلاً عن بناء مخالفات حتى ضمن الأراضي الخاصة، والتابعة لمؤسسات تملكها بعض الطوائف.
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
التعدّيات على أملاك الدولة ليست وليدة اليوم، بل هي قائمة بقوة في بعض المناطق اللبنانية، وخصوصاً في الجنوب والبقاع وجرود جبيل وبعض أجزاء بيروت، عبر استباحة مساحات واسعة من الأراضي البرّية والبحرية، وإقامة الأبنية العشوائية كما حدث ويحدث لغاية اليوم، وبصورة لافتة في منطقتيّ الجناح والرمل العالي وجوارهما، حيث يلعب الأمن الذاتي وقوى الأمر الواقع الدور الأكبر بفرض السلطة على الدولة، تحت عنوان “دويلة التشبيح”، التي تحمي وترفع الغطاء عن المعتدين و”على عينك يا دولة”، فتفسح المجال بالبناء والتصرّف وكأنها تمتلك تلك المشاعات، من دون الحصول على الأذونات القانونية، فضلاً عن بناء مخالفات حتى ضمن الأراضي الخاصة، والتابعة لمؤسسات تملكها بعض الطوائف.
وما حصل قبل سنوات في بلدة لاسا في جرود جبيل، التي تقطنها غالبية شيعية، وتملك الكنيسة المارونية فيها ملايين الأمتار، خير مثال على ذلك. فقد حصل نزاع بين سكانها وبعض المزارعين المسيحيّين، الذين يهتمون بالأرض العائدة للكنيسة، ما حوّل الخلاف من نزاع عقاري إلى نزاع سياسي تتحكّم به بعض قوى الأمر الواقع هناك، للتعدّي على أملاك الكنيسة بطرق ملتوية، وعبر بناء منازل وإقامة مشاريع.
للجنوب الحصة الأكبر بالتعدّيات!
آخر هذه المشاهد رأيناها مطلع نيسان الجاري في بلدة البيسارية – الزهراني، حيث عملت عناصر من قوى الأمن الداخلي على تنفيذ القانون، ووقف مخالفات البناء على أملاك عامة في البلدة، لكنها عادت أدراجها بعد تصدّي أعداد كبيرة من الأهالي لها، والامر لم يقتصر فقط على البيسارية، بل طالت المخالفات أيضاً مناطق الخرايب وعدلون والزرارية، حيث شيّدت أبنية ومحال تجارية يملكها مستثمرون نافذون حزبياً، ولم تقتصر على المشاعات فقط بل على أملاك خاصة، ضمن فلتان غير مسبوق ومن دون حسيب أو رقيب، وسط سؤال يتكرّر كل يوم: “من يحفظ حقوق الدولة في ظل سيطرة قوى “التشبيح”؟
هذا الوضع طال أيضاً منطقة المساكن الشعبية في صور، حيث حصلت اعتداءات على العناصر الأمنية قبل فترة خلال تنفيذ مهامها، لتعود الاتصالات مع الجهات الحزبية الفاعلة إلى ضبط الوضع. وأفيد وفق معلومات رسمية بأنّ عدد التعدّيات تجاوز الـ1500 في منطقتي الزهراني وصور، وفي هذا الإطار أشار وزير الداخلية بسام مولوي إلى توقيف عدد من المعتدين وإحالتهم إلى القضاء.
كما كانت لبلدة تفاحتا الجنوبية حصة أيضاً، حيث هاجم الأهالي قوة أمنية في شهر آذار الماضي، حاولت منع جرافة من التعدّي على جبل بمساحة 40 ألف متر مربع لتشيّيد أبنية فيه، والحل كان برشق الحجارة والزجاج على العناصر الأمنية، والكل شاهد ذلك الفيديو المخزي، وعلى الأثر صدر بيان عن قوى الامن الداخلي، بأنها أوقفت الفاعلين لاحقاً، وتمّ ختم الجرافة بالشمع الأحمر، بمؤازرة من الجيش في مواجهة أعداد كبيرة من الشبان.
بلدة رميش انتفضت…
أما بلدة رميش الحدودية، فقد انتفضت قبل فترة رفضاً لتعرّض أرزاقها للإستباحة، واصدر الأهالي بياناً اشاروا فيه “إلى تعدّيات حزب الله على أملاكهم وأراضيهم، عبر جرف مساحات واسعة من الأراضي واقتلاع أشجار وعمل إنشاءات، واستعمال معدات ثقيلة للحفر في أحراش تعود ملكيتها لأهالي رميش”، وكادت الأمور أن تتفاقم طائفياً مع توترات أمنية في البلدة، لولا مسارعة المسؤولين وخصوصاً البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى التدخل.
هذا وأشار بعض الأهالي لموقع “هنا لبنان” إلى أنهم لن يسمحوا للبعض بالتطاول عليهم لأنهم أصحاب حق، وهم لم ولن يعتدوا على أحد، لكن دفاعهم عن أنفسهم وأرزاقهم محق، لذا “لا يجرّبنّنا أحد فاملاكنا ليست سائبة”! كما طالبوا بضرورة أن تقوم الدولة بدورها منعاً لحصول أي فتنة.
٤٠٪ من المشاعات “طارت”
إلى ذلك لم يعد الأمر يقتصر على تشيّيد أبنية صغيرة في الأملاك العامة، بل تخطى ذلك بكثير، ومن هنا يشير رئيس بلدية جنوبية في حديث لموقعنا، إلى أنّ هذه الظاهرة إلى تفاقم، والناس تلومنا في البدء وكأننا نملك العصا السحرية، أمام كل ما يجري في البلد من إنتهاكات، فيما لا نستطيع القيام بهذا الدور بمفردنا، خصوصاً أن عدد عناصر شرطة البلدية خجول جداً، فكيف يمكننا قمع هذه المخالفات؟ وقال: “نواجه يومياً العديد من المشاكل، وكل المسؤولين في الدولة يعرفون قدراتنا المتواضعة فهذه المهمة من صلاحية قوى الأمن”.
في السياق ونقلاً عن سياسي سابق ووفقاً لمعلوماته المؤكدة على حدّ تعبيره، فإنّ أكثر من ٤٠٪ من المشاعات “طارت” وأصبحت أملاكاً خاصة!
الأملاك البحرية والشواطئ…
وكل هذا يعني أنّ التعديات طالت أغلبية المشاعات، اي الأراضي الزراعية والأملاك البحرية والشواطئ الرملية، التي تعتبر معنوياً من أملاك المواطنين اللبنانيين، الذين يُمنعون من ارتياد تلك الشواطئ، التي تمّت مصادرتها من قبل عدد من السياسيين والنافذين، وهذا يعني أن لا أمل بعودة تلك الإملاك إلى الدولة، لأنّ تطبيق القوانين لا يسري على السياسيين، بل على المواطنين غير المحسوبين على أي جهة حزبية أو سياسية.
في الختام وأمام قوة السلاح غير الشرعي، يبقى السؤال الأبرز الذي نكرّره يومياً “مَن يحفظ أمن المواطن وأملاكه؟”
باختصار المسألة تتطلّب استعادة هيبة الدولة، وليس أخذ الموافقة من الحزب الفاعل جنوباً وبقاعاً و… وما يحصل مخجل والأمثلة كثيرة، والفيديوهات خير شاهد لأنها توثّق كل التفاصيل… وسنبقى نشهد مثلها بين وقت وآخر حتى قيام دولة القانون التي نتوق إليها.