بمَ وعدت موسكو؟
ما الموقف الروسي من كبسة الأسد زرّ فرقعة ملف النازحين، علماً أنّ موسكو حين وضعت يدها على جزء رئيسي من القرار السياسي السوري، أبلغت، في حينه، مرجعاً لبنانياً كبيراً، أنها لن تسمح بأيّ تخريب أسدي في الشأن اللبناني. فهل تغيّر الأمر؟
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
عدم إعلان سليمان فرنجية، صراحة، أنه مرشح لرئاسة الجمهورية، برغم الوقائع المناقضة، لا يعني أنه مستنكف عن المنصب الأعلى في كيان الدولة اللبنانية، بل يفيد بأنّ باب الحوار لا يزال مشرّعاً، لكن حليفه الحزب المسلح لا يلعب دوراً مساعداً فعلياً، بدليل حرص قادته على زعم البحث عمّا يسمونه توافقاً أقرب إلى إملاءات على معارضي هذا الترشيح، بدءاً بتجاهل وجود المرشح ميشال معوض على حلبة التنافس الرئاسي، وإيهام الرأي العام بأنّ البديل من مرشحه هو الفراغ.
يقلّد الحزب واشنطن بما أعلنته على لسان موفدها إلى لبنان ريتشارد مورفي عام 1988 ومفاده أنّ أمام اللبنانيين خياراً من اثنين، “إما مخايل الضاهر رئيساً أو الفوضى”، وهي عبارة باتت محفورة في الذاكرة العامة مذاك، وقد تنكّر مورفي لحرفيتها في محاضرة ألقاها في “مركز عصام فارس للدراسات اللبنانيّة”، بالقول: “أنا قلت إذا لم تنتخبوا رئيساً، فلكم أن تتخيّلوا ما الذي سيحصل. سيتسبّب الفراغ بفوضى، ولم أقُل إمّا الفوضى أو مخايل الضاهر”.
الفارق أنّ الأميركي عاد فلطّف عبارته، بينما الحزب المسلح يبني موقفه على استبدادٍ واضح، بلا أيّ مساحة للديموقراطية، التي هو في اغتراب عنها، أساساً.
فالحزب اعتاد أن يفاخر بعناده في أي موضوع إشكالي وطني، وأحياناً كثيرة إقليمي، مستمدًّا من فائض القوة، في السياسة والإعلام والميليشيا، ليلويَ الحقائق عن مواضعها، ويتلبس صورة الحاكم بأمره في البلاد، فيحول، مثلاً، دون الجيش والاحتفال بتحرير جرود عرسال من “داعش”، في نهاية آب 2017، في ظل رئاسة قائد الجيش السابق الجنرال ميشال عون للجمهورية، ويتحكم بقرارات القضاء العسكري من جريمة اغتيال الضابط الطيار سامر حنا في سجد، نهاية آب 2008، إلى محاكمات عشائر خلدة العربية اليوم.
بهذا الإستبداد، المعنوي والمادي، يقرر الحزب أن لا منافس لمرشحه وإلّا لا التئام لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، إلّا إن استوفت مواصفات الرئيس نبيه بري، وهو ما أوضحه خطباء الحزب تكراراً، وآخرهم، مطلع الأسبوع، السيد هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي للحزب الذي صادف كلامه استعراض النازحين السوريين سكاكينهم، وأسلحتهم البيضاء والدامية، منتصف الأسبوع، وبرغم براءة كثيرين من النازحين من التواطؤ مع النظام في استعراض القوة المتعمد، فإنّ فيه، مهما تمادت السذاجة لدى البعض، ما يشي بتعمد إشعار اللبنانيين بأن انفجاراً أمنياً يرتّبه النظام السوري للداخل اللبناني، ومن أسف أنّ أبواقاً طائفية لم تجد في الأمر سوى استهدافاً للمسيحيين، دون غيرهم، لتهشيلهم خارج لبنان.
لا مؤشر، جدياً، إلى أن ما جرى هو وليد مصادفات، تحديداً الحشد في محيط المفوضية الأممية، وهو ينطوي في الحد الأدنى، على مؤشرات إلى قدرة النظام السوري على هزّ الاستقرار الداخلي اللبناني، ومنها ما يكشف تواطؤ مصالح بين معارضين سوريين متصهينين، وعقبات النظام في وجه عودة النازحين.
هذه الحال تؤدي إلى سؤالٍ لم يطرح: ما الموقف الروسي من كبسة الأسد زرّ فرقعة ملف النازحين، علماً أنّ موسكو حين وضعت يدها على جزء رئيسي من القرار السياسي السوري، أبلغت، في حينه، مرجعاً لبنانياً كبيراً، أنها لن تسمح بأي تخريب أسدي في الشأن اللبناني. فهل تغير الأمر؟
التلاعب الأسدي بأمن لبنان ليس غريباً على النظام المذكور، وما كان خلال الوصاية شاهدٌ واضحٌ لا يُمارى من اغتيال السياسيين إلى التفجيرات، والأعمال المكيافلية.
ربما يفيد في هذا الصدد مراجعة كتاب الكاتب والحقوقي والمراقب الدولي لحقوق الإنسان الجزائري أنور مالك، واسمه الحقيقي نوار عبد المالك، عن وقائع خبث النظام السوري في تعامله مع لجنة الوساطة العربية المكونة من 67 مراقباً برئاسة الفريق (السوداني) محمد أحمد الدابي المكلفة يومها بتسوية النزاع السوري في بدايته، في كانون الأول 2011. يومها بدأ “التنكيل” باللجنة منذ وصولها إلى مطار دمشق، حيث خضع أعضاؤها للتدقيق بالهويات، والتفتيش الجسدي من دون أيّ احترام لصفتهم الديبلوماسية، امتداداً إلى دس “الفياغرا” في وجباتهم الغذائية، ودس تقنيات التجسس في هواتفهم وغرفهم.
هذا التذاكي لن يكون غائباً عن مشروع عودة النازحين إلى وطنهم، التي لم تفلح في حلحلتها زيارات الوفود الرسمية اللبنانية إلى دمشق منذ 2011. ومن أمائر ذلك، على قول وزير المهجرين عصام شرف الدين في حوار متلفز، إنّ المديرية العامة للأمن العام أرسلت إلى المراجع السورية لائحة بـ 5 آلاف نازح للتدقيق الأمني، ولم تقبل دمشق سوى بإعادة 600 منهم، لا غير.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |