مَن أدخلَ نازحًا أخرجَ لبنانيًّا
تطورت سكك التهريب، فلم يعد يقتصر على التهريب من سوريا إلى لبنان، بل “تطوَّر” بحيث يدخل السوري إلى لبنان بصفة “نازح” ويعود إلى سوريا ساعة يشاء، عبر التهريب، بصفة “عائد”، وعند اللزوم يعود إلى لبنان بصفة “نازح” مجددًا!
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
المعادلة لا تحتمل الخطأ، في مقابل كلّ نازح سوري يدخل إلى لبنان، يخرج لبنانيٌ منه، هجرةً إلى بلاد الله الواسعة، إلى كندا أو أستراليا أو الولايات المتحدة الأميركية أو إلى إحدى الدول الأوروبية، أو غيرها من البلدان.
المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، على امتداد الحدود البرية المشتركة بين البلدين، والتي تمتد لنحو 330 كيلومترًا، مليئة بالمهرِّبين الذين ينتمون، كلٌّ بحسب منطقته، إما إلى العشائر وإما إلى عصابات تهريب يعرفون المنطقة من أيام تهريب المحروقات والسيارات المسروقة والمواد الغذائية وغيرها، وإما إلى مجموعات من حزب الله. التهريب مدفوع، وتختلف التسعيرة بحسب نوعية الخدمة، فهناك مهربون يتولون نقل الشخص إلى “باب الدار” فلا يتكلف مشقة تبديل السيارات، لكن هذا “اللوكس” له سعره الذي يختلف عن سعر الذي يكتفي بعبور طريق ترابية ثم يتدبَّر أمره.
هذا التهريب يتمّ بعِلْم الجميع من الجانبين اللبناني والسوري، لأن “الدفع” يتم للجانبين. وقد تطورت سكك التهريب، فلم يعد يقتصر على التهريب من سوريا إلى لبنان، بل “تطوَّر” بحيث يدخل السوري إلى لبنان بصفة “نازح” ويعود إلى سوريا ساعة يشاء، عبر التهريب، بصفة “عائد”، وعند اللزوم يعود إلى لبنان بصفة “نازح” مجددًا!
مخطئ مَن يعتقد أن حكومة تصريف الأعمال قادرة على فِعل شيء للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، فحتى لو تم ترحيل مَن تنطبق عليهم صفة “مخالفين” فإن بإمكان هؤلاء أن يعودوا في اليوم التالي، عبر أحد معابر التهريب.
لبنان يخشى الهيئات الدولية، كما يخشى خرق “اتفاقية اللاجئين” الموقَّعة عام 1951، والبروتوكول الملحق بها عام 1967.
الاتفاقية والبروتوكول هُمَا أساس نظام اللاجئين الدوليّ الذي يركِّز على حماية اللاجئين، لكن ما لا تعرفه الحكومة اللبنانية، أو تتغاضى عنه، أن لبنان غير موقِّع على الإتفاقية وعلى بروتوكولها، مثله مثل 44 دولة في العالَم غير موقِّعة، فيما الدول الموقِّعة عددها 149 دولة.
لبنان ينتمي إلى الدول الـ 44 غير الموقِّعة، وعليه فإنّ الهيئات الدولية غير قادرة على جعله ملزَمًا أو ملتزِمًا باتفاقية لم يوقّعها.
هل يعرف رئيس الحكومة ووزير الخارجية هذه الحقيقة؟ فإذا كانت السلطة التنفيذية في لبنان غير مدرِكَة للقوانين الدولية التي تعترف بها أو تلك غير الموقِّعة عليها، فكيف للبناني أن يأتمنها على وضعه؟
اللبنانيون، في هذه الحال، في ورطة حقيقية، في ظل عجز الحكومة عن القيام بأي إجراء أو مبادرة، وما تقوم به لا يعدو كونه نوعًا من رفع العتب! أليس مضحكًا، على سبيل المثال لا الحصر، أن اجتماعًا وزاريًا يعقد في السرايا الحكومية ويتخذ “قرارات” هي عبارة عن قرارات سبق أن اتُخِذت، ولم يفعل الاجتماع سوى التذكير بها والتأكيد عليها؟
السؤال هنا: طالما أنّ هذه القرارات سبق أن اتُخِذَت ولم يتم تطبيقها، فلماذا تكرارها والتأكيد عليها؟ كم من المرات جرى الحديث عن ترحيل المخالفين وعن تسجيل الولادات وعن إقفال المعابر غير الشرعية؟ فما هي القرارات الآنفة الذِكر التي جرى تطبيقها؟
انطلاقًا من كل هذه المعطيات، يمكن القول أن هناك سباقًا بين إدخال النازحين وإخراج اللبنانيين، وهذا سباقٌ غير متكافئ، اللبنانيون يهاجرون، ونكاد أن نقول: يُهجَّرون، من دون ضمانات، فيما النازح السوري يصل إلى لبنان وتسبقه الضمانات الدولية، فهل هذا التفاوت بين ما هو لبناني وبين ما هو سوري، من باب المصادفة أم مخطط له؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة | تدمير تحت الأرض.. دمارٌ فوق الأرض |