ورقة النزوح كشهادة للأسد بوجه العرب
بدل أن تحتجّ السلطة اللبنانية على استبعادها عن المشاورات العربية، وبالأخصّ اجتماع عمان، أثارت هذه الضجة لتبييض سمعة النظام السوري وإعطائه شهادة حسن سلوك فيما يؤكد نواياه تجاه “العودة الآمنة” للنازحين السوريين.
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
وسط دوامة الفراغ الرئاسي القاتل ارتأت السلطة السياسية (بممانعيها ووعونييها معاً) إثارة ملف النزوح السوري في لبنان وتسليط الضوء عليه واستنفار مجموعة من الوزراء (الداخلية والخارجية والعمل والشؤون الاجتماعية والمهجّرين) وجعله الشغل الشاغل والمشكلة الأخطر من أجل استنفار الناس حولها لحساسيتها وقدرتها على تجييش الغرائز العنصرية والنعرات الطائفية، وتوريط الجيش في مسألة الترحيل وغيرها من الأساليب الملتوية لتسميم الأجواء. اكتشفت السلطة فجأة مشكلة النزوح وراحت تنهال علينا الأرقام والإحصائيات من هنا وهناك، وخطر ملايين السوريين المنتشرين في البلدات والقرى والمقارنات بالنزوح السوري المنظّم في الدول الأخرى مثل الأردن وتركيا، والتحذير من بعبع التوطين في لبنان الذي تعمل عليه الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية.. علماً أنّه لم يستجدّ أيّ أمر استثنائي لما شهدناها طيلة الإثني عشرة سنة منذ اندلاع ثورة السوريين في 2011 ضد النظام الأسدي الاستبدادي، مع التسليم طبعاً بأنّ اللجوء تحوّل فعلاً إلى حمل ثقيل على اللبنانيين نتيجة الانهيار الاقتصادي والمالي وانفراط عقد الدولة ومؤسساتها بفعل فساد السلطة السياسية. فما الذي استجدّ؟
لا شكّ أنّ المنطقة شهدت مؤخراً تطورات مهمة على الصعد كافة، أوّلها الاتفاق السعودي – الإيراني أي بين الطرفين اللذين يتنازعان عملياً الدور والنفوذ الإقليميين. وهو اتفاق من شأنه أن يضع حدًّا لتمدد النظام الإيراني ولتدخله في شؤون الدول العربية وسعيه لتخريب نظم حياته وقيمه، وإنشاء ميليشيات مسلحة وطوابير خامسة بإمرة طهران في كلّ بلد عربي. وبطبيعة الحال عربياً لا بدّ أن نعتبر أنّ الاتفاق هو خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح، ولكنّ هذا الاتفاق لا بد أن يترافق مع مجموعة خطوات وإجراءات لإعادة انتظام المصلحة العربية المشتركة. أوّل هذه الخطوات هي إعادة سوريا إلى الحضن العربي وتخليص الدولة السورية من الأخطبوط الإيراني الذي يمسك اليوم بمفاصلها بعد أن عاث بشار الأسد فساداً في الشعب والأرض وقتل وشرّد ملايين السوريين الذين يشكلون نحو ثلث عدد السكان، جاعلاً من سوريا أرضاً سائبة تحتلها خمسة جيوش، إيرانية وروسية وتركية وأميركية وجوًّا إسرائيلية!
وبدأ الانفتاح العربي على النظام بشكل ثنائي وتبادل للزيارات وكلام عن احتمال عودة سوريا إلى الجامعة العربية التي طردت منها غداة اندلاع الثورة السلمية ضد النظام. وهنا بادرت السعودية إلى مواكبة الانفتاح بمجموعة شروط من أهمها عودة النازحين السوريين إضافة إلى الحلّ السياسي بناء على قرار مجلس الأمن 2254 ووقف تهريب المخدرات، وخروج القوى الأجنبية غير الشرعية. وثبت هذا الموقف في أوّل اجتماع تشاوري بين دول الخليج ومصر والأردن والعراق في جدة، ثمّ أعيد تكريسه في الاجتماع الخماسي الذي عقد في عمان وضمّ السعودية والأردن ومصر والعراق وقطر بحضور وزير الخارجية السوري الذي سمع بشكل واضح أنّ مسألة النزوح هي بند أساسي ومفصلي في عملية الانفتاح على النظام وملاقاته في منتصف الطريق. وواضح أنّ هذا البند شرطه الأساسي هو العمل على خروج القوى الأجنبية وتحديداً الميليشيات الإيرانية لضمان عودة طوعية وآمنة لعشرات آلاف اللاجئين، ولكي تبدأ بعدها ورشة إعادة الإعمار. وطبعاً هذه شروط يعجز الأسد عن تحقيقها، لأنّه ليس صاحب قرار، وهو مدين لبقائه في السلطة لموسكو وطهران اللتين تتنازعان على القرار العسكري والسياسي والأمني في سوريا. وفي هذا السياق سارع الرئيس الإيراني قبل أيام إلى القيام بأوّل زيارة من نوعها إلى دمشق منذ اندلاع الثورة لربط وتكبيل سوريا باتفاقيات ومعاهدات تجعل منها رسمياً محمية إيرانية.
وهنا جاء دور السلطة اللبنانية التي بدل أن تحتجّ على استبعادها عن المشاورات العربية، وبالأخصّ اجتماع عمان، التي تعقد بخصوص الملف السوري ومسألة اللاجئين التي تعني لبنان الذي تحوّل إلى أوّل بلد لجوء في العالم نسبة لعدد السكان، أثارت هذه الضجة لتبييض سمعة النظام السوري وإعطائه شهادة حسن سلوك فيما يؤكد نواياه تجاه “العودة الآمنة” للنازحين السوريين. ولهذا السبب بالتحديد لم تتم دعوة لبنان إلى اجتماع عمان!
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |