من يصالح السوريين؟
اليوم محا العرب كلّ ما ردّدوه عن جرائم النظام الأسدي، وكأن آلاف الضحايا لم يسقطوا، بعناوين مبهمة كـ “يجب القضاء على جميع صور الإرهاب في سوريا” من دون التفكر بأنّ هذا العنوان يأذن للنظام باستمرار سياسته في معاقبة السوريين، وهو البارع في ليّ عنق الحقائق لتحقيق أهدافه
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
هل استعاد النظام السوري، وليس سوريا، مقعد دمشق لدى جامعة الدول العربية، أم أنّ هذه الجامعة هي من استعادت الدولة السورية إلى حضنها؟ يؤشّر التعبير الأول، وتستخدمه بعض وسائل الإعلام المؤيّدة للنظام، بأنّ تمثيله السوريين أمرٌ مستحَقّ، يأتيه على سجادة حمراء، ستُفرش لرئيسه إذا أكملت الأمور مسارها وشارك في قمة جدة العربية هذا الشهر. أمّا التعبير الآخر، فيوحي بأنّ من طرد النظام من المنظومة العربية هو من يعيده إليها، أي الجامعة، فيكون 7 أيار 2023 الرد على 16 تشرين الثاني 2011، يوم نص قرار “تعليق عضوية سوريا في الجامعة لحين التزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية”.
لا يلفت هذا التفصيل إهتمام أيّ مسؤول عربي، باستثناء النظام المعني، ووراءه نظام طهران، اللذان يُشْهد لهما بالدقة في متابعة الأمور، لدى العدو والصديق على السواء، لاستخدامها في وقت مناسب.
من هذه التفاصيل، أنّ ما يجري من مصالحة (ستحدّد حجمها القمة العربية المقبلة) هو نتاج غدر سياسي أميركي – روسي، قاده الرئيسان باراك أوباما، وفلاديمير بوتين، ضد الشعب السوري. فالأول تقلّب في موقفه من النظام: فمن دعوته إلى التنحي في آب 2011، إلى نيل تأييد الكونغرس لشن ضربة عسكرية، إلى بدء اتخاذ عقوبات ضد نظام الأسد، إلى وصف دمشق وموسكو معاً بأنّ أياديهما ملطخة بالدماء، فالتحذير من استخدام الأسلحة الكيماوية. وبعدما هدد بالتعاون مع المعارضة، انكفأ إلى تواطؤ مع النظام وموسكو.
في آب 2013، قُتل أكثر من 1000 شخص في هجوم واحد بغاز السارين في الغوطة الشرقية، بالقرب من دمشق، وتوفي 100 تقريبًا في هجوم آخر بغاز السارين في خان شيخون في نيسان 2017. وتوفي عدد غير محدد من جرّاء هجمات باستخدام غاز الكلور. وبحسب كل المصادر المعروفة، فإنّ القوات المسلحة السورية الموالية للأسد هي التي ارتكبت هذه الهجمات.
زعم الروس آنذاك الروس أنّهم يريدون سوريا خالية من الأسلحة الكيميائية، لكنهم أبطأوا كلّ جهود التنفيذ وتدخّلوا لدعم الأسد عسكريًّا، حتّى مع استمراره في تسليط الغاز الكيميائي على المدنيين، ما منح الأسد ورقة مساومة وأعطى الروس قضية أخرى لحرق الوقت والطاقة في التفاوض. تعليق الرئيس باراك أوباما الشهير حول أسلحة الأسد الكيميائية – بأنّ استخدامها سيعني تجاوز “الخطّ الأحمر” وإطلاق ردّ أميركي – تبيّن أنّه مناقض للحقيقة. استخدام الأسلحة الكيميائية لم ينهِ قدرة الأسد على التفاوض، بل عزّز موقفه.
غفا العالم على عزم أوباما على إسقاط النظام ليصحو على تواطؤ أميركي روسي سكت عن إمطار النظام ببراميل الكيماوي أبناء سوريا المدنيين وتهجيرهم من وطنهم وكأنّ ما كان لم يكن ولا يستحق المعاقبة، وكأنه إذنٌ مضمر للأسد باستمراره في نهجه الدموي.
اليوم محا العرب كلّ ما ردّدوه عن جرائم النظام الأسدي، وكأن آلاف الضحايا لم يسقطوا، وأكملوا الشق العربي من مؤامرة أوباما – بوتين، بعناوين مبهمة كـ “يجب القضاء على جميع صور الإرهاب في سوريا” من دون التفكر بأن هذا العنوان يأذن للنظام باستمرار سياسته في معاقبة السوريين، وهو البارع في ليّ عنق الحقائق لتحقيق أهدافه، وهو الذي ردّد محيطه في عز المجازر التي ارتكبها أنّ العائلة تسلمت الحكم في نهاية ستينات القرن الماضي وعدد السكان 30 مليوناً، فماذا لو عاد عددهم اليوم إلى الرقم نفسه، فالمهم إنقاذ النظام.
في مسار التطبيع التركي مع النظام شكل الوجود العسكري التركي في الشمال السوري ورقة تفاوضية قوية بيد أنقرة، فما هي الورقة العربية “الموازية” لزيادة الضغط على النظام الذي يتعاطى سلباً مع المطالب العربية، ومنها الحرب على المخدرات، وحل قضية اللاجئين السوريين المشتتين.
وهل يمكن الضغط على النظام الذي ردّ على “العفو” العربي غير المشروط، بتوقيع ما لا يقلّ عن 15 مذكرة تفاهم واتفاقات تعاون مع طهران، ترهن مستقبل سوريا، وتقطع الطريق على ما قد تقترحه المجموعة العربية لدعم سوريا.
الغائب في الخطوة العربية التصالحية هو الشعب السوري الذي كانت مأساته الغائب الأكبر عن مؤتمر القاهرة. قد يقول قائل أنّ الأمر سيكون موقع نقاش لاحق. ربما.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |