تردّد المعارض(ات) وفخ تأمين النصاب
ربما إنّ الإيجابية الوحيدة للقانون الانتخابي المسخ الذي ابتدعته أركان المنظومة في 2018 هي أنّه أفرز برلماناً متعدّداً ومتنوعاً في آن لا هيمنة لأحد عليه، وبالأخص لفريق “حزب الله”.
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
ميزة المعارضة في الأنظمة الديموقراطية بطبيعة الحال أن تتمتع بالقدرة على المبادرة والمناورة والحنكة بهدف مقارعة السلطة والسعي لفرض نفسها كبديل جدّي عنها، خاصّة إذا كانت متعددة ومتنوعة كما هو حالها اليوم في لبنان. في الدول الديموقراطية، وتحديداً الأوروبية منها، يكون التنافس بينها ديموقراطي وحول البرامج وكيفية حلّ المشاكل التي يعاني منها المواطنون، والأهم السعي لخوض معارك مشتركة من خلال تحديد هدف رئيسي مشترك وتحييد الخلافات أو التباين حول المسائل الأخرى. وهذا حصل ويحصل طبعاً في أكثر من بلد، بدءاً من فرنسا التي التفّت معظم قواها لإعادة إنجاح إيمانويل ماكرون دورة ثانية وقطع الطريق على اليمين المتطرف، وفي إيطاليا تتشارك اليوم أربعة أحزاب في الحكومة، من بينها اثنان كانا في المعارضة لتشكيل حكومة مستقرة قادرة على تطبيق برنامجها، وفي ألمانيا كذلك. كما أنّ المثل الأهم والأقرب هو في تركيا التي توحّدت معارضتها المؤلفة من ستة أحزاب حول مرشح واحد يواجهون به الرئيس رجب طيب أردوغان، رغم أنّ الخلافات بينهم كثيرة ومتشعبة منها سياسي ومنها إيديولوجي وكذلك حول طبيعة الدولة، وبالأخص الدعم الذي جاء من حزب الشعوب الديموقراطي الكردي… وهم اليوم يهددون عرش أردوغان!
نقول كل هذا لنؤكد أنّ ما تختلف عليه القوى المعارضة ليس أكثر أهمية وتعقيداً من خلافات الأحزاب التركية، وأساساً رئيس الجمهورية في لبنان ليس الآمر والناهي كما في تركيا، ومع ذلك تمكنت المعارضات التركية من الاتفاق على المرشح والبرنامج. لذلك ليس المطلوب من قوى المعارضة الاتفاق على برنامج الرئيس والاتفاق معه على كل شيء وإنّما الاتفاق على شخص نظيف الكف ينتشل الدولة والمؤسسات من الفساد والمحاصصة الغارقة فيها، ويركّز على استعادة الدولة لسيادتها وسلطتها كي تكون صاحبة القرار على كامل أراضيها.
غير أنّ هذه القوى لم تصل بعد إلى هذه المرحلة من نظرتها للدولة وللعمل السياسي، الذي لا يزال قائماً على المفهوم الزعاماتي والزبائني والعائلي والطائفي، وكلّها تتناقض كليًّا مع أسس الدولة والمواطنة. كما أنّ هذه الأحزاب والقوى لا تزال تنظر إلى المواطن كواحد ضمن الجماعة أو العشيرة أو القطيع الذي يصفّق للزعيم، ناهيك عن غرق زعمائها بحسابات شخصانية وفئوية ضيقة تشبه حسابات الدكنجي ما يجعله غير قادر على اتخاذ قرارات حرّة وجريئة بعيداً عن التبعية للخارج أو مجاراته في سياسته ومصالحه.
مع ذلك يبقى السؤال المفصلي هل يصعب لهذه الدرجة الاتفاق على اسم يجمع بين الحد الأدنى الذي تلتقي عليه هذه القوى والإقلاع عن الفيتويات المتبادلة؟ علماً أنّ هذا المرشح لن يكون هو الرئيس لاعتبارات متعددة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو دستوري ومنها – وهذا الأهم – أنّ لا أحداً يمتلك الأكثرية (65 صوتاً) لإيصاله، والأدق والأصعب من ذلك أنّ لا أحد لديه القدرة على تأمين النصاب الشرعي المطلوب لعقد الجلسة، بحسب تفسير نبيه بري، والبالغ 86 صوتاً. وربما إنّ الإيجابية الوحيدة للقانون الانتخابي المسخ الذي ابتدعته أركان المنظومة في 2018 هي أنّه أفرز برلماناً متعدّداً ومتنوعاً في آن لا هيمنة لأحد عليه، وبالأخص لفريق “حزب الله”.
غير أنّ المرشح الجامع يعطي دفعاً للمعارضة ويمكّنها من فرض قوتها وتماسكها في وجه مرشح السلطة – الثنائي سليمان فرنجية، ويرصّ صفوف المترددين والمستقلين، ويجبر بالتالي الثنائي إلى التراجع خطوة إلى الوراء والإقلاع عن “الزعبرة” الكلامية بالدعوة إلى الحوار والتوافق والتمسك في الوقت عينه بفرنجية.
كما أنّ الأخطر من ذلك هو خدعة التداول بعدد من الأسماء التي يحاول البعض باسم التوافق، وتحديداً التيار العوني أن يحصل على موافقة “حزب الله” المسبقة على واحد منها كمرشح تلتقي حوله جميع القوى، وهناك اسم يتمّ التداول به حالياً. فإذا لم يتمّ إعلان سحب فرنجية قبل جلسة الانتخاب، فهذا سيعني جرّ القوى المعارضة إلى حضور الجلسة وتأمين النصاب فيما يقوم الثنائي وأتباعه بالتنصل من “المرشح التوافقي” ويصبون أصواتهم على مرشّحهم!
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |