هجمة على آلات العدّ وخزائن النقود: المواطنون خائفون من عمليّات السرقة والتزوير
هجوم المواطنين على شراء آلات العدّ والخزنات الحديديّة، ليس إلّا دلالة على قلّة ثقة اللبنانيين بأمنهم بالدرجة الأولى، وباقتصادهم وعملتهم بالدرجة الثانية. فبعد أن خسرت الليرة قيمتها بفترة زمنيّة قصيرة جداً، أصبح المواطن اللبناني ينظر إلى عملته كأداة من دون فائدة.
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
يعاني لبنان منذ العام 2019 من أزمة اقتصاديّة حادّة، أدّت إلى انهيار كبير في قيمة الليرة مقابل الدولار، حيث أصبحت أعلى أو أكبر عملة نقديّة يطبعها لبنان وهي الـ100 ألف ليرة توازي قرابة الدولار الواحد فقط، لا بل تخطّى سعر صرف الدولار في السوق السوداء سقف الـ100 ألف ليرة في شهر آذار 2023 ليلامس حاجز الـ150 ألف ليرة، ما أفقد الليرة اللبنانيّة أكثر من 95 % من قيمتها، تحت وطأة مستويات غير مسبوقة لغلاء أسعار المواد الاستهلاكية في ظل الارتفاع المستمر للدولار مقابل الليرة، بفعل طبيعة الاقتصاد اللبناني المرتكز على الاستهلاك أكثر من الإنتاج، حيث يستورد لبنان 90% من احتياجاته من الخارج. لتسجّل بذلك أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً فاقت نسبته الـ 6000 في المئة منذ شهر كانون الأوّل 2019 وحتى تشرين ثاني 2022 بحسب بيانات إدارة الإحصاء المركزي اللبنانية. وبحسب آخر تقرير للبنك الدولي احتل لبنان الترتيب الثالث عالمياً والأول عربياِ في قائمة الدول الأكثر تضرراً من تضخم أسعار الغذاء.
عدّ النقود أصبح صعباً وخوف من التزوير
بات المواطن اللبناني مجبراً على حمل حقائب مليئة بالليرات، أثناء توجهّه للتسوّق حيث أنّ أبسط سلعة تتطلّب الكثير من الأوراق النقديّة بالليرة اللبنانيّة، لتسديد ثمنها، وبالتالي لم تعد تسع هذه الأرواق في محفظة صغيرة. الأمر الذي دفع بهؤلاء إلى شراء آلات عدّ النقود وخزائن حديديّة لحماية أموالهم من السرقة والتزوير. ففي كلّ متجر، وفي كلّ محلّ صغير تقريباً، وفي معظم المنازل اللبنانيّة ستجدون خزنة حديديّة أو آلة عدّ، ليس فقط لعدّ النقود بل للتأكّد من أنها غير مزوّرة. خصوصاً بعد أن نشط في الآونة الأخيرة، التداول بعملات مزّورة من فئة الدولار أو الليرة اللبنانيّة. حيث يكاد لا يمرّ شهر، إلّا وتقوم الأجهزة الأمنيّة بتوقيف عصابة تزوير عملات. ولعلّ أشهر هذه العمليّات كانت توقيف مخابرات الجيش اللبناني لواحدة من أكبر عصابات تزوير العملات في منطقة البقاع، حيث أحبطت السلطات اللبنانية محاولة تهريب عملات مزوَّرة إلى العراق وتركيا، وفكّكت مصنعاً لطباعة أوراق نقدية مزوَّرة في منطقة ريّاق في بعلبك.
وأمام هذا الواقع، غزت إعلانات عدادات النقود والخزائن الحديدية طرقات لبنان، وأصبحت تطغى على الإعلانات عن منتجات أخرى. فكم ارتفع الطلب على هذه الآلات؟ وما أسعارها؟
آلات العدّ وخزنات النقود حاجة ملحّة؟
في هذا الإطار يقول زياد منصور، صاحب أحد متاجر آلات العدّ والخزنات في لبنان، في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” إنّ “آلة عدّ النقود أصبحت مطلباً للجميع في لبنان، دون استثناء. فزبائني يتوزّعون بين أصحاب مطاعم، ومحلات حلاقة، ودكاكين، ومتاجر لبيع الأحذية والملابس، وحتى “الخضرجيّة”. والمستغرب أنّ الموظفين العاديين في كلا القطاعين العام والخاص يقومون بشراء آلات عدّ أيضاً. فالعملة المحليّة لم تعد تكفيها أصابع الأيدي للعدّ. فالـ10 دولار أصبحت تساوي حوالي المليون ليرة! أي 10 أوراق من 100 ألف ليرة، الفئة النقديّة الأكبر بالليرة اللبنانيّة. فشراء أبسط الأشياء أصبح يحتاج إلى آلة عدّ. خصوصاً وأنّ المتاجر جميعها عادت للتسعير بالدولار والبيع بالليرة اللبنانيّة، كحال الوضع قبل الأزمة. وللمفارقة فإنّ آلات عدّ النقود لم تعد تباع فقط في المتاجر بل لدى الباعة المتجوّلين أيضا!”.
أمّا عن الخزنات الحديديّة فيلفت منصور إلى أنّها “أصبحت حاجة ملحّة لجميع اللبنانيين، خصوصاً وأنّ عدداً كبيراً من المواطنين قاموا ببيع بعض ممتلكاتهم، كأرض أو محلّ أو عقار، وقرّروا وضع الأموال في المنزل داخل خزنة، ومنهم من يستثمرون أموالهم في الذهب نتيجة ارتفاع الطلب عليه في الفترة الأخيرة ويحتاجون إلى خزنة لحمايتها من السرقة. فبالنتيجة نسب السرقة ارتفعت في لبنان، وسط تخوّف من التفلّت الأمني جراء زيادة نسبة الفقر والبطالة خصوصاً بين الشباب”.
وبحسب الدوليّة للمعلومات، شهدت المؤشّرات الأمنيّة ارتفاعاً في جرائم سرقة السيارات بنسبة 34.1٪ وجرائم السرقة بنسبة 8.8٪ خلال شهر آذار مقارنة بالشهر السابق، أي شباط 2023.
ارتفاع في الطلب فماذا عن الأسعار؟
ويضيف “أغلبيّة من يطلب شراء خزينة، يملك أموالاً بالدولار، وهذه الأخيرة أصبحت عملة ثمينة وسط الأزمة الصعبة التي نعيشها. فالـ 10$ “صارت تحكي”، ولها قيمة على عكس ما قبل الـ2019. لذلك يحرص هؤلاء على حماية مداخيلهم وأموالهم من العملات الصعبة داخل خزنة مقفلة في منازلهم”.
وعن الخزنات الأكثر طلباً يقول “تختلف الأحجام المطلوبة، ولكن يكثر الطلب على الخزنات التي يمكن إخفاؤها داخل الخزائن، أو التي يمكن تركيبها داخل الحائط أو تثبيتها في الأرض، حيث تصعب عمليّة سرقتها. وفي الوقت الذي كنّا نبيع فيه خزنة واحدة كلّ 4 أشهر أصبحنا نبيع حوالي الـ6 خزنات في الشهر الواحد. فحمل المال أصبح مخاطرة، أمّا عدّه فأصبح مهمّة صعبة تتطلّب وقتاً وجهداً مضاعفاً. فما كان يشتريه المواطن سابقاً بورقة واحدة أصبح بحاجة إلى كميّة كبيرة من الأوراق بالليرة اللبنانيّة لشرائه”.
أمّا الأسعار، يتابع منصور، فتبدأ من “90 دولاراً لآلات العدّ وقد تتخطّى الـ1000 دولار، وتبدأ أسعار الخزنات من 200$ وما فوق حسب حجمها ونوعيّة الحديد المستخدم والتقنيّات التي تتضمنّها”.
المواطن فقد ثقتهم بقيمة عملته
من جهة أخرى تعتبر مصادر إقتصاديّة مطلّعة على الأزمة الحاصلة في حديثها لموقع “هنا لبنان” أنّ “ما يحصل من “هجوم” على شراء آلات العدّ والخزنات الحديديّة، ليس إلّا دلالة على قلّة ثقة المواطنين اللبنانيين بأمنهم بالدرجة الأولى، وباقتصادهم وعملتهم بالدرجة الثانية. فبعد أن خسرت الليرة قيمتها بفترة زمنيّة قصيرة جداً، أصبح المواطن اللبناني ينظر إلى عملته كأداة من دون فائدة. لا بل أصبحنا نراها مرميّة على الطرقات. وجميعنا شاهد الصور المتدولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لعملة الـ5 آلاف ليرة والـ10 آلاف ليرة المرميتين على جوانب الطرقات. فحتى الـ100 ألف ليرة اليوم أصبحت قيمتها كالـ1000 ليرة ما قبل الأزمة. وهذا مؤشّر خطير. فقلّة ثقة المواطن اللبناني بعملته ستجعله يلجأ إلى استخدام الدولار، الأمر الذي سيرفع الطلب على هذا الأخير، وسزيد من نسبة التضخّم والانهيار وسيفقد الليرة المزيد من قيتها”.