العروبة المأزومة وخيارات “الترميم”!
من غير المتوقع أن تتمكن الجامعة العربيّة من اختراق أسوار الماضي والتقدّم نحو المستقبل بعيداً عن الحساسيّات التقليديّة والمصالح المتناقضة بين الدول، إذ قلّما عكست الجامعة طموحات الشعوب وتطلعاتهم..
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
نادراً ما تحوّلت القمّة العربيّة إلى “مؤسسة” فعليّة. فالمآزق المتعددة والمعقدة التي تعيشها المنطقة العربيّة تعود بعض أسبابها إلى سياسات المراوغة العربيّة التي اعتمدت من قبل الأنظمة عن عمد، وهي السياسات التي كانت تستبطن رغبات دفينة بإجهاض أية محاولات جديّة للتقارب بين الدول العربيّة.
إذا كانت قمّة جدّة قدمت نفسها على أنها قمة رأب الصدع العربي، فإن تلك “المصالحة” تبقى على مستوى القادة وقسم كبير منهم لا يعكس رأي شعوبهم. لقد كانت مشاركة رئيس النظام السوري صفعة قويّة لفكرة المحاسبة والمساءلة، فالشعب السوري دفع أثماناً باهظة نتيجة سياساته وافتعاله للحرب الأهليّة في مواجهة التحركات الاحتجاجيّة الشعبيّة التي حافظت على سلميتها لأكثر من ستة أشهر.
قياساً إلى التجارب السابقة، من غير المتوقع أن تتمكن الجامعة العربيّة من اختراق أسوار الماضي والتقدّم نحو المستقبل بعيداً عن الحساسيّات التقليديّة والمصالح المتناقضة بين الدول، إذ قلّما عكست الجامعة طموحات الشعوب وتطلعاتهم، كما أنها أصابت المشروع العروبي بالشلل، عن قصد أو غير قصد، وأسقطت عن نفسها دور الإطار المؤسساتي الذي يفترض أن تتجسد فيه الرؤى والمشاريع العروبيّة.
ولكن، هل المشكلة في المشروع نفسه أم في الإطار المؤسساتي أم في القيمين على التنفيذ؟ هي مسؤوليّة مثلثة تتوزّع بنسب متفاوتة، لكن الأكيد أن القيمين على التنفيذ يتحملون القسط الأكبر من المسؤوليّة ما جعل الحلم العربي شبه مستحيل وغير قابل للتنفيذ في الوقت الذي تقدّمت فيه أوروبا بأشواط إلى الأمام وحققت وحدة سياسيّة واقتصاديّة ونقديّة ورفعت الحواجز الجمركيّة والحدوديّة وكفلت حريّة انتقال وتدفق الأشخاص والبضائع.
الفكرة العربيّة الأساسيّة القائمة على الحريّات والانفتاح والتعدديّة لا تماثل بأي شكل من الأشكال المفاهيم “العربيّة” التي نادت وتنادي بها الأنظمة ولا تماثل مطلقاً الشعارات التي غالباً ما يتلطى خلفها الحكام ويتوسلونها لإيهام الرأي العام (إذا تركوا رأياً عاماً في بلدانهم!) بأنهم يحافظون على القضيّة العربيّة بينما هم أبعد ما يكون عنها.
في الذكرى الـ 75 لنكبة فلسطين، تبقى هذه القضيّة التي يناضل شعبها وحيداً، تقدّم مثالاً صارخاً عن الفشل الجماعي العربي في مقاربة قضايا المنطقة ومشاكلها، وغالباً أن هذا الفشل ليس وليد الصدفة بل نتيجة تواطؤ مقصود من تحت الطاولة.
لا يمكن تقييم مسارات العمل العربي المشترك في صيغتها الراهنة أو بقياس التجارب التاريخيّة. أما الحقبة الجديدة، فهي سوف تبقى تحت الاختبار لتحديد ما إذا كانت سوف تنطلق من مرتكزات جديدة أم أنها ستسعى إلى “ترميم” القديم و”تبييض” صفحاته السوداء الداكنة التي لن تتحقق مهما توزعت الابتسامات والتقطت الصور التذكاريّة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |