تعويضات نهاية الخدمة ضرب 10 أضعاف.. فما مصير من قبض تعويضه بعد الـ2020؟
يغوص مستقبل تعويضات نهاية خدمة الموظفين في لبنان بنفق أسود مجهول الأفق، حيث يبدي الموظفون وخصوصاً من يعمل منهم في القطاع الخاص قلقهم على مصيرهم ومصير عائلاتهم عند بلوغهم سن التقاعد، بعد تراجع قدرتهم الشرائيّة بسبب تآكل رواتبهم نتيجة الأزمة الاقتصاديّة
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
في الوقت الذي تعمّ فيه الاحتجاجات فرنسا، رفضاً لرفع سنّ التقاعد، من 62 إلى 64، مع الحفاظ على المكاسب والتقديمات للمتقاعدين. يبحث كلّ موظّف لبناني عن عمل حرّ بعد وصوله إلى سنّ التقاعد يضمن له عيشة كريمة تحفظ كرامته وتحميه من الجوع والذلّ بعد أن فقدت تعويضات نهاية الخدمة قيمتها.
ففيما يتقاضى الموظفون في البرتغال معاشهم التقاعدي بنسبة 100 بالمئة من آخر راتب كان يتقاضاه الموظّف، وفي ألمانيا 75 بالمئة، وهولندا 70 بالمئة، وفي فنلندا والنرويج 66 بالمئة، وفي سويسرا 60 بالمئة، وفي بريطانيا 50 بالمئة، وفي الولايات المتحدة يتراوح بين 36 و80 بالمئة من رواتب الموظفين حسب مدة خدماتهم. يغوص مستقبل تعويضات نهاية خدمة الموظفين في لبنان بنفق أسود مجهول الأفق، حيث يبدي الموظفون وخصوصاً من يعمل منهم في القطاع الخاص قلقهم على مصيرهم ومصير عائلاتهم عند بلوغهم سن التقاعد، بعد تراجع قدرتهم الشرائيّة بسبب تآكل رواتبهم نتيجة الأزمة الاقتصاديّة المرهونة بانهيار قيمة الليرة اللبنانية مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار. ليخرج الموظّف الذي قضى عمره في العمل خالي اليدين من المؤسسة التي يعمل فيها في الستينات وسط غياب مظلة الحماية الاجتماعية والصحية والأمنيّة.
نظام التقاعد في لبنان
ويعرّف المعاش التقاعدي على أنّه “نظام ادخار خاص يهدف إلى توفير دخل للأفراد أثناء تقاعدهم أي أثناء توقفهم عن العمل”. ويختلف سن التقاعد في لبنان باختلاف الأسلاك العسكرية والمدنية، حيث يبلغ سن تقاعد القضاة 68 سنة، وبالنسبة للموظفين العموميين فهو 64 سنة، أما في ما يتعلق بالقطاعات العسكرية التي يحكمها قانون الدفاع الوطني المُطبق على الأمن الداخلي، والأمن العام، والجيش، وأمن الدولة، وعساكر الجمارك، فيتأثر التقاعد بالرتبة العسكرية للفرد، حيث يبدأ من سن 52 بالنسبة للعسكر العادي صعوداً إلى تقاعد اللواء (الألوية أعضاء المجلس العسكري) عند سن 59، أما العماد قائد الجيش يتقاعد عند بلوغه سن 61 سنة.
وينطبق نظام “المعاش التقاعدي” على فئة معيّنة من الموظفين ولا يشمل الفئات بأكملها. فإنّ موظفي الإدارة العامة والعسكريين مخيّرون بين تقاضي تعويض نهاية الخدمة و”المعاش التقاعدي”، أما موظفو المؤسسات العامة والقطاع الخاص فمجبرون على تقاضي تعويض نهاية الخدمة حصرًا.
فما مصير تعويض نهاية الخدمة والمعاش التقاعدي في لبنان؟ وهل من حلحلة قريبة؟
طرح المعاش التقاعدي الاختياري أٌجِّل
في هذا الإطار كان قد قارب وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم قضية وضع خيار “المعاش التقاعدي” لكافة الموظفين في القطاعين العام والخاص، وبدأ العمل عليها منذ فترة في لجنة المؤشر لإنجاز معاش تقاعدي يشمل كافة العاملين المنتسبين للضمان الاجتماعي.
وهو ما أكّده عضو لجنة المؤشّر، ورئيس الاتحاد العمّالي العام، بشارة الأسمر في حديث خاص لموقع “هنا لبنان”، مشيراً إلى “أنّنا كنّا قد اتفقنا في لجنة المؤشّر وبعد إقرار رفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 9 ملايين ليرة، على مبدأ إطلاق المعاش التقاعدي الاختياري في القطاع الخاص، وذلك بالتنسيق مع الهيئات الاقتصاديّة، إلّا أنّه وبسبب بعض التعديلات الطفيفة وليس الجوهرية ارتقينا تأجيل هذا الموضوع للمزيد من التشاور مع مدير عام الضمان محمد كركي، ووزير العمل. حيث أنّ المادة 54، الفقرة 5، تنصّ على أنّه يحقّ للضمان تحويل تعويضات نهاية الخدمة بشكل اختياري”.
الانتقال من تعويضات نهاية الخدمة إلى المعاش التقاعدي ينتظر التمويل
وأضاف الأسمر “كما أّننا تحرّكنا كاتحاد عمّالي عام باتجاه مجلس النواب، حيث هناك مشروع ينصّ على الانتقال من تعويضات نهاية الخدمة إلى المعاش التقاعدي ويضمّ اللبنانيين بالخارج، والذين يبلغ عددهم حوالي الـ 45 ألف عامل، وهذا المشروع موجود في الهيئة العامة لمجلس النواب، وأشبع درساً لعدة سنوات بحضور اختصاصيين وخبراء من منظمة العمل الدولية، وعدنا وطرحنا هذا الموضوع حيث اجتمعنا مع نائب مجلس النواب الياس بو صعب ومع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي بادر إلى تحريك المشروع في الهيئة العامة. وبناءً عليه عقدت عدة اجتماعات للجان المشتركة لإحياء هذا المشروع، إلّا أنّه يحتاج إلى تمويل ضخم، ولمرحلة انتقالية، حيث ستستخدم جميع أموال الضمان للانتقال من تعويضات نهاية الخدمة إلى الراتب التقاعدي”.
وعن مصدر التمويل يقول “كان الوزير السابق كميل أبو سليمان قد بدأ المفاوضات مع البنك الدولي بهذا الموضوع، إلاّ أنّ التشنّج السياسي وعدم وجود تشريع في مجلس النّواب وتعطيل مؤسسات الدولة حالت دون إحراز أيّ تقدّم. فنحن بحاجة إلى فترة هدوء سياسيّة تنعكس نوعاً من الاستقرار على البلد”.
رفع الحدّ الأدنى للأجور موّل التعويضات
ولا ينفي الأسمر فقدان تعويضات نهاية الخدمة أو المعاشات التقاعديّة قيمتها، “حيث أنّ الغلاء المعيشي يسبقنا، فكلّ ارتفاع لسعر صرف الدولار يليه ثبات فتأقلم، ليعود ويرتفع بنفس الدوّامة”، إلّا أنّه يشير إلى أنّ “رفع الحدّ الأدنى للأجور بحدود الـ14 مرة من الـ675 ألف ليرة إلى الـ9 ملايين ليرة، انعكس إِيجاباً على الضمان، من جهة تمويل عملية التعويضات التي ارتفعت تقريباً بحدود الـ14 أضعاف، حيث أصبح الحدّ الأدنى المسموح التصريح عنه للضمان 9 مليون ليرة والذي تستوفى على أساسه الاشتراكات والتي رفعت إلى الـ18 مليون ليرة ومعها التعويضات العائلية والمدارس”.
اقتراحان لرفع تعويضات نهاية الخدمة 10 أضعاف!
ويتحدّث الأسمر عن “تقدّم النائب طوني فرنجية بمشروع قانون ينصّ على دفع تعويضات نهاية الخدمة للموظفين على سعر الصرف المتداول، (إمّا سوق سوداء أو سعر منصّة صيرفة). حيث تقسم التعويضات وفق سعر الصرف الرسمي (وهو حالياً 15 ألف ليرة) وتضرب بسعر منصّة صيرفة (على سبيل المثال لا الحصر) وبالتالي ترتفع التعويضات من 6 إلى 7 أضعاف”.
وإلى جانب اقتراح فرنجيّة، يتابع الأسمر، “يأتي إقتراح النائب شربل مسعد والذي ينصّ على قسم التعويضات على سعر الصرف الرسمي القديم أيّ 15 ألف ليرة، وضربها بـ15 ألف ليرة، ما سيرفع من قيمتها 10 أضعاف، على أن يقسّط على أربعة مراحل (أي 4 سنوات)، أي من يبلغ تعويضه مليار ليرة، سيتقاضى من تعويضه 250 مليون ليرة كلّ سنة. وإذا ما قورنت ومتوسّط التعويض في آخر العام 2018، (على سبيل المثال، من كان تعويضه 30 ألف دولار أي 45 مليون ليرة آنذاك سيصبح ملايين) سيصبح تعويض الفرد مضروباً بـ10 أضعاف”.
إعادة احتساب التعويضات التي قبضت بعد عام 2020!
ورأى أنّ “كلا المشروعين قابلان للحياة، وبعد درسهما تبيّن أنّه يمكن تنفيذهما، وكنّا قد تواصلنا مع وزارة المالية بشخص وزيرها يوسف الخليل، ومديرها العام، جورج معراوي اللذين أكّدا لنا إمكانية تنفيذ هذين المشروعين”.
وكشف الأسمر أنّ المشروعين يلحظان عودة إلى الوراء، أي لبداية العام 2020، ما يعني أنّ كلا المشروعين يطبقان بمفعول رجعيّ، فمن قبض تعويضه بعد العام 2020، سيتمّ إعادة احتسابه وضربه بـ10 أضعاف. وسيتمّ شمل كلّ من موظفي القطاع الخاص والعام والعسكريّين والعسكريّين المتقاعدين “.
فيما المشروع الأقرب إلى التطبيق بحسب الأسمر، هو مشروع التقاعد الاختياري، والذي اعتمدته بلدية برمانا، حيث أعطت الخيار لموظفيها بين تقاضي تعويضات نهاية الخدمة أو المعاش التقاعدي”، داعياً “إلى تعميم هذه الظاهرة على البلديات التي لها هذ القدرة المالية، لكون هذا الطرح متقدم جدا”.
وعن واقع التعويضات اليوم يقول إنّ “الضمان يدفع التعويضات ولكن عملية الدفع تتأخّر قليلاً، فيما بعض الأجراء يلجأون إلى عدم قبض التعويضات “.