متلازمة الفيبروميالجيا: الأسلوب الأفضل للعلاج
يوماً بعد يوم، تظهر حالات جديدة من الفيبروميالجيا في لبنان، فيتوجّه المتألّمون إلى الأطبّاء على غير هدى، فينصح البعض بالعمليّات الجراحيّة أو بالمسكّنات؛ لكنّ الأسباب الحقيقيّة للمتلازمة تظلّ كامنةً وتعاود الظهور.
كتبت فاتن الحاج حسن لـ “هنا لبنان”:
ظهرت أولى الحالات التي عرفت بمتلازمة الفيبروميالجيا منذ السبعينيّات من القرن العشرين في الولايات المتّحدة؛ ورُصدت في حينها الكثير من تلك الحالات على امتداد العالم، واستمرّت في ازديادها على مرّ العقود الماضية.
وقد بدأت معاهد الصحّة الوطنيّة الأميركيّة بتصنيف الفيبروميالجيا كاضطرابٍ مرضيٍّ منذ سنة 1992، وهي تصفها بأنّها اختلالات مركزيّة تنتج عن تفلّتٍ حيويٍّ في الجهاز العصبيّ المركزي، وتؤدّي إلى فقدان ضوابط الألم الاعتياديّة التي تحاكي طبيعة الإنسان، حيث أنّ المجَسّات المركزيّة تتألّم بالتفضيل الحسّي.
وهذه الضوابط المعرفيّة، عندما تواجه خللاً، تطلق مجسّاتها الحسيّة جميعها في وقتٍ واحد.
ومن جهتها، تصتف “الكليّة الأميركيّة لطبّ الروماتيزم” هذه المتلازمة بأنّها اضطراب في ترجمة الألم بسبب تشوّهاتٍ في كيفيّة فهم وتفسير الإشارات المتعلّقة بالألم في الجهاز العصبي المركزي (الدماغ).
أمّا “الاتّحاد الأوروبي للتصدّي لأمراض الروماتيزم” فيصفها بأنّها اضطراب عصبيّ حيوي، وهو يدعم – على هذا الأساس – علم المعالجة الدوائيّة.
أمّا المراجعة العاشرة للتصنيف الجدوَلي للأمراض في منظّمة الصحّة العالميّة، فتضع الفيبروميالجيا في قائمة الجهاز المركزي والنسيج الضامّ؛ وتوضّح بأنّ متلازمة الألم العضليّ الليفيّ المتفشّي يجب أن تُصنَّف كمتلازمةٍ وظيفيّةٍ جسديّةٍ بدلاً من تصنيفها كاضطرابٍ عقلي.
وللاطّلاع على كلّ نواحي هذه الملازمة، من حيث أسبابها وتشخيصها وعلاماتها وأنواعها، التقينا الأستاذ المحاضر والطبيب المتخصّص في علاج الألم الدكتور نادر يونس، الذي أوضح لـ “هنا لبنان” المسائل الآتية:
“صحيح أنّ المواقع العلميّة العالميّة لم تهتمّ أو لم تتوصّل إلى تحديد سببٍ مقنعٍ لمتلازمة الفيبروميالجيا؛ ولكن طغى الاعتقاد بأنّها تنتج من مجموعة عوامل نفسيّةٍ جينيّةٍ عصبيّةٍ حيويّةٍ وبيئيّة. وتشدّد المعلومات على العامل البيئي والجيني، لأنّها تولّدت بعد أن لاحظ الأطبّاء ترابطاً في ما بين هذه المتلازمة ومتلازماتٍ أخرى وظيفيّةً وجسديّةً ولا سيّما الاضطراب الاكتئابي.
وبالرغم من أنّ الفيبروميالجيا تترافق أحياناً مع القلق والاكتئاب ومتلازمة القولون المتهيّج ومتلازمة القلب المزمن، فإنّ التصنيف الدّولي للأمراض يوضّح بأنّ هذه الاضطرابات يجب أن تُصنَّف بشكلٍ منفصل.
وهناك أنواع وتفرّعات من الفيبروميالجيا؛ تتفرّع إلى أربع مجموعات، مع إمكانيّة المقارنة بينها:
1– حساسيّة شديدة للألم غير متصاحبةٍ مع حالاتٍ نفسيّة، قد تستجيب للأدوية التي تحبط المستقبلات (ألم شديد أمام استفزازٍ خفيف).
2– فيبروميالجيا متصاحبة بالاكتئاب المتعلّق بالألم (لا تستجيب لحالة مضادّات الاكتئاب).
3– اكتئاب يصاحب متلازمة الفيبروميالجيا (قد يستجيب لمضادّات الاكتئاب).
4– حدوث الفيبروميالجيا بسبب اضطراب الجسدنة أي الألم الوهمي (قد تستجيب للمعالجة النفسيّة).
أمّا العلامات التي تعرّف متلازمة الألم العصبي المتفشّي (الفيبروميالجيا)، فهي:
1– ألم مزمن ومنتشر.
2– تعب مزمن.
3– اضطرابات في النوم.
4- – إكتئاب.
بالإضافة إلى:
– تشنّجات عضليّة مزمنة.
– اضطرابات في وظيفة الجهاز الهضمي العلوي والقولون المتهيّج.
– مساحات بيضاء في الذاكرة.
– بطء في الأداء.
– تركيز أحادي.
– قِصر فترة الانتباه.
– قلق يضاف إلى الاكتئاب”.
وعن أسلوبه في معالجة مرضى الفيبروميالجيا، يقول يونس:
“لقد تبيّن لي أنّ الفيبروميالجيا هي مرض تراكميّ يتكوّن تدريجيّاً ويظهر عبر المرور بتلك الظروف القاهرة الإضافيّة لمدّةٍ حدّدتُها بعد بلوغ المستويات العليا من الألم المزمن العصيّ على العلاج بما يناهز العشر سنوات، تظهر خلالها تدريجيّاً العوارض المتعلّقة بالفيبروميالجيا.
وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنةً على علاجي لمرضى الفيبروميالجيا، لم يعد لديّ شكّ بأنّ هؤلاء يتعرّضون للسميّة التراكميّة أو التأثير السمّي، أي للتسمّم بالمسكّنات المتعدّدة وبجرعاتٍ زائدة؛ وإن لم تكن هي السبب الوحيد في هذا التأزّم، فإنّ المسكّنات – بالنسبة لي – هي السبب الأوّل والأهمّ بين جميع الأسباب الباقية.
ولا بدّ أيضاً من ذكر الأطعمة في المقلب الآخر، أعني بها تلك الأطعمة السريعة التحضير والجاهزة وأخصّ منها بالذكر السكريّات والكاربوهيدرات وغلوتين الخبز والمشروبات الغازيّة والكحوليّة والعصائر والمقالي، لأنّها تسبّب الالتهابات وحدها بدون مساعدة التلف التراكمي.
فبدلاً من استعمال المسكّنات، فهناك مواقع أو مفاتيح أساسيّة للألم نعمل عليها (عبر التدليك) في علاجنا داخل عياداتنا.
وقد تعاملتُ مع تلك المفاتيح وضبطتُ إيقاعها ووضعتُ خرائطها ونظّمتُ بروتوكولاتها وعلّمتُها للمعالجين والأطبّاء، وكانت عنوان التمايز عن أشهر العلاجات التقليديّة، وخاصّةً في إحداث الفرق أمام أصعب حالات الألم المزمنة؛ فكنت معالجاً لنقاط مثلّث العنق، الذي يمثّل في تقنيّتي اليوم، نقطة التحوّل الكبرى، التي غيّرت مفاهيم علاج الألم المزمن؛ كونها تمثّل تقدّماً غير مسبوقٍ نحو التشخيص السببي من جهة، ولمقاربة العلاج الشافي الفريد من جهةٍ أخرى؛ بينما أغلبيّة العلاجات المعروفة تتّصف بقدرتها على التسكين فحسب.
وخلاصة القول إنّ “علاج مثلّث العنق” في ظاهرة الألم المزمن المستعصي، هو الأسلوب الذي نعمل عليه ونلمس فعاليّته العلاجيّة ونثق بنتيجته الإيجابيّة”.
وفي مقابلةٍ مع هند سويدي إحدى المصابات بمتلازمة فيبروميالجيا، أوضحت لنا ما يلي:
“بعد أن عانيت لخمس عشرة سنةً من عوارض الفيبروميالجيا المؤلمة والمعوّقة للحركة، خضعت لعلاجٍ نفسيٍّ وجسديٍّ على مدى ثلاثة أشهر، وكانت النتيجة جيّدةً جدّاً قياساً على حالتي السابقة؛ علماً أنّ العلاج الذي خضعت له كان خالياً من الأدوية والمسكّنات ويقتصر على التدليك”.
يوماً بعد يوم، تظهر حالات جديدة من الفيبروميالجيا في لبنان، فيتوجّه المتألّمون إلى الأطبّاء على غير هدى، فينصح البعض بالعمليّات الجراحيّة أو بالمسكّنات؛ لكنّ الأسباب الحقيقيّة للمتلازمة تظلّ كامنةً وتعاود الظهور.
فهل يكون العلاج عبر تدليك مفاتيح الألم الرئيسيّة في الجسد وعبر التخفيف من مصادر التوتّر النفسي والعصبي هو الحلّ الفعّال لهذه المتلازمة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
قطاع تربية النحل بين الإهمال الحكومي والاهتمام الأممي | فؤاد شهاب .. “الرئيس القائد”! | الزراعة العضويّة تنتشر في لبنان |