صراعُ هويَّات أو صراع نفوذ؟
في صِراعِ الهُويَّات يبدو واضِحًا أنَّ هُناك من يودُّ إعادةَ بناء مَفهوُم الشرق وَمفهُوم الغَرب على قاعِدَة نِظامِ قِيَمٍ جديد من ناحِية، ونِظامِ مصالِح جديد من ناحِيَةٍ أُخرَى. أمَّا في صِراع النُّفوذ فهُناك استِخدامٌ خبيثٌ لنِظامِ القِيَم والمَصالِح على حدّ سواء.
كتب زياد الصَّائِغ لـ “هنا لبنان”:
حربُ روسيا على أوكرانيا مع ما استتبع ذلك من إعادَة تشكُّل ثُنَائِيَّةٍ عالميَّة غير مُعلَنَة، وغير متوازنة، فيها قُطبٌ تتحالَفُ فيه الولايات المتَّحدة الأميركيَّة مع الاتِّحاد الأوروبي، وفيها قطبٌ ثانٍ عرَّف عن بدءِ تشكُّلِه بالبريكس، هذه الحربُ تَطرَحُ تساؤُلًا هُو هل العالَمُ أمام صِراعِ هويَّاتٍ أو صراعِ نفوذ؟
لَيسَت الإجابَةُ على هذه الإشكاليَّة حاسِمَة، ولا يُمكن أن تكون كذلِك. في صِراعِ الهُويَّات الذي تحمِلُه هذه الإشكاليَّة يبدو واضِحًا أنَّ هُناك من يودُّ إعادةَ بناء مَفهوُم الشرق وَمفهُوم الغَرب على قاعِدَة نِظامِ قِيَمٍ جديد من ناحِية، ونِظامِ مصالِح جديد من ناحِيَةٍ أُخرَى. أمَّا في صِراع النُّفوذ فهُناك استِخدامٌ خبيثٌ لنِظامِ القِيَم والمَصالِح على حدّ سواء.
صِراعُ الهُويَّات تُريدُ فيه روسيا وحلفاؤها بالمُباشر أو بالوِكالة استِعادَة حُضُورِها السِّياسي، والاقتِصاديّ، والثَّقافي، والعسكريّ، من باب أنَّها تواجِهُ الفوقيَّة الأميركيَّة والأوروبيَّة. وصِراعُ النُّفوُذ تُريدُ منه الولايات المتّحدة الأميركيَّة وحلفاؤها القَول بأنَّ زمَن الديكتاتوريَّات والثيوقراطيَّات قد ولّى إلى غير رجعة. هل السِّيَاقُ هذا دليلُ الانتِقالِ إلى إعادَة تحديدِ مَفهُومٍ جديد في الهُويَّات الوطنيَّة أو العابِرة للحدود؟ أو هُو دَفعٌ باتِّجاه تشييد عمارَة جديدة في العِلاقات الدَّوليَّة؟
من الواضِح بمكان أنَّ هذين التَّساؤلين يطرحان معضلةً كثيفَة التَّعقيد حَول مَن هي القِوى القادِرة على ضبط إيقاع صِراع الهُويَّات والنُّفوذ، إذا ما كانت السُّلطَة في كُلٍّ من معسكري الصِّراع تحتكِرُ خيارات المواجهة، ومسارات التَّفاوض؟
الحاجَةُ مُلِحَّة إلى استِعادة القَناعَة بمُوجِب تحقيق تواصُلٍ بنَّاء بين معنى الهُويَّاتِ الوطنيَّة أو تِلك الإقليميَّة والدَّوليَّة من ناحِيَة، وبين معنى مُمارسة النُّفوذ للخير العامّ من ناحِية أُخرى. من هُنا تتجلَّى الأَولويَّة لِبَحث مقوِّمات العِلاقاتِ الدَّوليَّة في المئة عام المقبِلَة بالاستِناد إلى تجرِبَة أوكرانيا المُرَّة مع روسيا خُلُوصًا إلى التوتُّر الناشِئ بين الصِّين والولايات المتّحدة الأميركيَّة في تايوان. تبقى إيران وخياراتُها الامبراطوريَّة ذات الأيديولوجيا المُعسكرة، والتي تقتضي مُقارَبَةً مَنهجيَّة مُختَلِفَة، إذ هي فَرَضَت العُنفَ مسار تطبيعٍ، ولو هشًا، مع من يدَّعون مواجهة استراتيجيَّتها الانقِلابيَّة في جُغرافيا العالم العربيّ والشرق-أوسطيّ، امتِدادًا إلى المجتمع الدَّوليّ.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تيننتي: لا صحة للانباء عن جولة لـ”اليونيفيل” في بعلبك | أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغانتس… وردود أفعال غاضبة: “فضيحة غير مسبوقة” | دريان: فرحتنا لا تكتمل بالاستقلال إلّا بوجود رئيس جمهورية |