التّقاطع يُطيح بـ “كلّن يعني كلّن” ويُشرذم التّغييريّين
بين مرشّحٍ جدّيٍّ ومرشّح تحدٍّ ومرشّحٍ وسطيٍّ، اختلفت التّسميات لكنّ الثّابت أنّ أيًّا من المرشّحَين اللذين تأهّلا إلى المرحلة النّهائيّة، لم يعرض بوضوحٍ برنامجه الرّئاسي ومشروعه للبلد، وهناك العديد من القضايا والملفّات الجوهريّة الّتي يحتاج المواطنون أن يعرفوا موقف رئيسهم المستقبليّ منها.
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
فجأةً، أُنزل مصطلح “التّقاطع” إلى ملعب الانتخابات الرّئاسيّة، لينضمّ إلى ما سبقه من كلماتٍ وعباراتٍ مطّاطيّةٍ لطالما أُسقطت في الخطابات، حتّى باتت تشكّل قاموسًا لا بدّ من النّهل منه عند دخول المعترَك السّياسيّ. فعشيّة إطفاء الفراغ الرّئاسيّ شمعةَ شهره السّابع، وبعد بازاراتٍ متعدّدة الأوجه والتّسميات، واحتراق أسماء عددٍ من المرشّحين، وحثٍّ عربيٍّ ودوليٍّ متواصلٍ للإسراع في انتخاب رأسٍ للبلاد… تحرّكت عجلة استحقاق رئاسة الجمهوريّة خطوةً فعليّةً إلى الأمام.
في 4 حزيران الحالي، أعلن رئيس حركة “الاستقلال” النّائب ميشال معوّض سحب ترشّحه لرئاسة الجمهوريّة، ودعم مدير إدارة الشّرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النّقد الدّولي الوزير السّابق جهاد أزعور. وأوضح “أنّنا لا يمكننا أن نبقى كقوى معارضة مكتوفي الأيدي أمام ثنائيّة الفرض والتّعطيل، وأصبح الحلّ الوحيد أمامنا أن نوسّع رقعة التّقاطعات… الّتي أوصلت إلى جهاد أزعور”. فيما أعلن 32 نائبًا من قوى “المعارضة” و”التّغيير” التّقاطع على اسمه كمرشّحٍ وسطيٍّ لرئاسة الجمهوريّة.
اسم أزعور الّذي تولّى وزارة الماليّة من عام 2005 وحتّى 2008، لم يكن خارج التّداول الرّئاسيّ، فقد سوّق له النّائب السّابق وليد جنبلاط، وتوسّط لائحة الأسماء الّتي نوقشت في إطار المبادرة الرّئاسيّة الّتي قادها نوّاب “التّغيير”. حتّى أنّه كان من بين الشّخصيّات المطروحة لحاكميّة مصرف لبنان، بعد انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة، قبل أن يعود مجدّدًا إلى تصدُّر الواجهة الرّئاسيّة، في وجه مرشّح “الثّنائي الشّيعي” رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة.
بين مرشّحٍ جدّيٍّ ومرشّح تحدٍّ ومرشّحٍ وسطيٍّ، اختلفت التّسميات لكنّ الثّابت أنّ أيًّا من المرشّحَين اللذين تأهّلا إلى المرحلة النّهائيّة، لم يعرض بوضوحٍ برنامجه الرّئاسي ومشروعه للبلد، وهناك العديد من القضايا والملفّات الجوهريّة الّتي يحتاج المواطنون أن يعرفوا موقف رئيسهم المستقبليّ منها. فعلى أيّ أساسٍ قرّر عددٌ من “التّغييريّين” السّير بترشيح أزعور؟
في هذا الإطار، يشير النّائب وضاح صادق، في حديث لموقع “هنا لبنان”، إلى أنّ “هناك انقسامًا في المجلس النّيابي، يمنع أيّ طرفٍ من الإتيان منفردًا برئيسٍ للجمهوريّة، وهذا يحتّم علينا الذّهاب باتجاه اسمٍ يمكنه جمع 86 نائبًا لضمان النّصاب في الجلسة، و65 صوتًا لتأمين الانتخاب”.
ويلفت إلى أنّ “مرشّحنا كان ميشال معوّض الّذي نعرف جيّدًا برنامجه الانتخابيّ، إلّا أنّه لم يصل إلى الرّئاسة، وبقي البلد غارقًا في الفراغ. وبعدما مارس الفريق الآخر كلّ أنواع التّعطيل الممكنة، عُدنا إلى اللّائحة الوسطيّة الّتي كانت تضمّ قائد الجيش العماد جوزيف عون، النّائب نعمة افرام، جهاد أزعور، الوزير السّابق زياد بارود والنّائب السّابق صلاح حنين؛ وأكثر اسمٍ حصل تقاطعٌ عليه بين معظم الكتل والنّواب هو أزعور.
ويؤكّد صادق “أنّنا مفوّضون من اللّبنانيّين لاختيار الاسم المناسب ليكون رئيسًا للجمهوريّة، ونحن اطّلعنا على برنامج أزعور، كما أنّنا نعرفه ونعرف ماضيه، ولديه العديد من نقاط القوّة كونه مسؤولًا في صندوق النّقد وعلاقاته الخارجيّة ممتازة وفكره سياديّ. هو لم يكن مرشّحنا الأساسيّ، لكنّنا بحاجةٍ إلى إدخال لبنان بشكل سريع جدًّا إلى مرحلة الإنقاذ”.
وعمّا إذا كان مشروع أزعور يتماشى مع مبادئ “ثورة” 17 تشرين الأوّل 2019، الّتي خرج من رحمها معظم نوّاب “التّغيير”، ويلبّي تطلّعات اللّبنانيّين المنتفضين، يوضح أنّ “البرنامج يتناسب بمعظمه مع هذه الرّوحيّة، لأنّ الثّورة أساسها الإصلاح والسّيادة، الّتي نطالب بها حتّى النّهاية، مع علمنا أنّ لا أزعور ولا أيّ رئيسٍ آخر سيتمكّن من إنهاء موضوع سلاح “حزب الله” بالقوّة؛ إذ أنّ هذا الأمر قد يؤدّي لنشوب حربٍ لا يمكن لأحدٍ تحمّلها”.
ويشدّد على “أنّنا ناقشنا مع أزعور المواضيع الإصلاحيّة، وتوافقنا معه في هذا الإطار”، مبيّنًا “أنّنا نريد رئيسًا يمكنه التّكلّم مع مختلف الأفرقاء، ويجب أن يتحلّى بكلّ صفات السّيادة، وأن يكون هدفه الأساسيّ حماية الدّستور والسّهر على تطبيقه”. وينوّه إلى أنّ “في التّجربة الأخيرة، مارس رئيس الجمهوريّة السّابق ميشال عون كلّ الأساليب التّعطيليّة للحكومات المتعاقبة، من دون إعفائها من مسؤوليّتها السّلبيّة”.
شرذمةُ نوّاب التّغيير أمام العديد من الاستحقاقات الدّستوريّة السّابقة، لم تجد طريقها للحلحلة، بل انسحبت على الانتخابات الرّئاسيّة، إذ فشلوا في الاتّفاق على شخصيّةٍ إصلاحيّةٍ قادرةٍ على ملء سدّة الرّئاسة. وهنا يشرح أمين السّرّ السّابق لنادي “الأنصار” لكرة القدم، “أنّنا كنوّاب تغييريّين لسنا تكتّلًا، والانقسام ليس فقط على أزعور، ففي السّابق البعض منّا صوّت لمعوّض والبعض الآخر للمؤرّخ عصام خليفة”.
ويعتبر أنّ “المعركة أكبر من الرّئاسة، فنحن نحاول مواجهة قوى مسلّحة تسيطر على الدّولة تمامًا وعلى قرار مجلس النّواب، وليس لديها أيّ احترامٍ للدّستور والقوانين، وتقول إمّا مرشّحنا أو لا أحد. وعندما نواجههم، يجب أن نحاول الذّهاب إلى الوسط واختيار مرشّحٍ منه، لكنّ بعض الزّملاء في جوٍّ آخر”.
تقاطُع عددٍ من نوّاب التّغيير مع أفرقاء المعارضة و”التّيّار الوطنيّ الحرّ”، قوبل بامتعاضٍ في بعض صفوف جمهور 17 تشرين، الذّين وَجدوا أنّ من رفعوا شعاراتٍ ثوريّةٍ منها “كلّن يعني كلّن” وهاجموا المنظومة مرارًا، ها هم اليوم يتحالفون مع أحزابها ولو بطريقةٍ غير مباشرةٍ، ويرمون مبادئ “الثّورة” في محرقة التّسويات، كما أنّهم يختارون مرشّحًا كان في السّابق وزيرًا للماليّة؛ وهناك العديد من علامات الاستفهام حول أدائه آنذاك.
إلّا أنّ صادق لا يوافق على هذا التّوصيف، ويجزم “أنّنا لم نتحالف مع أيّ جهةٍ أو حزبٍ من أحزاب السّلطة، بل توافقنا أو بالحريّ تقاطعنا على اسم مرشّحٍ رئاسيّ”، مضيفًا أنّ “الوزير السّابق شربل نحّاس كان في الحكومة بين 2009 و2011، فلماذا يَعتبره البعض من صقور 17 تشرين؟ والنّائب أسامة سعد كان حليفًا أساسيًّا لـ”حزب الله” في السّابق، فلماذا هو اليوم على طاولتنا كأحد أطراف التّغيير في لبنان؟ الكيلُ بمكاييل عدّة ليس مقبولًا”.
بعد جلسات المهزلة الّتي استضاف البرلمان نسخها الإحدى عشرة، ها هي أيّامٌ قليلةٌ تفصلنا عن انعقاد جلسةٍ جديدةٍ يؤمَل أن تعيد الحياة إلى قصر بعبدا الفارغ. فإمّا أن تنعقد دوراتٌ متتاليةٌ إلى حين انتخاب رئيسٍ، أو يلجأ فريق “الممانعة” إلى سيناريو إفقاد النّصاب في الدّورة الثّانية، أو تعود الأوراق البيضاء إلى تصدُّر الواجهة. فهل ستتحقّق إحدى هذه السّيناريوهات، أم أنّ حدثًا أمنيًّا سيطيّر الجلسة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |