مقاربة فرنسية جديدة للملف اللبناني.. والمصادر تكشف لـ “هنا لبنان” هوية المرشح الثالث!
يبدو أنّ فرنسا، وبعد ثلاث سنوات من الإخفاق في الملف اللبناني وعقب تدخل من الفاتيكان وزيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى باريس والفاتيكان، قد طوت صفحة السير بفرنجية ولو بشكل غير معلن..
كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:
في الأيام الأخيرة الماضية دارت أحاديث في فرنسا تتمحور حول إمكانية تعيين وزير الخارجية الفرنسية السابق جان إيف لودريان رئيساً لمعهد العالم العربي في ظل معرفة مع رئيس المعهد الحالي جاك لانغ، إلا أنّ المفاجأة كانت بتعيينه موفداً شخصياً من قبل الرئيس الفرنسي إلى لبنان لحلحلة بعض أزماته لا سيما الرئاسية منها. كيف لا وهو الرجل الذي خبر العديد من المحطات السياسية في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط وتعامل معها بدراية واسعة نظراً لخبرته وباعه الطويل في العمل السياسي وعلاقاته الدولية والإقليمية التي طبعها بالتميز الدبلوماسي!
تعيين لودريان موفداً خاصاً إلى لبنان جاء في لحظة يستعد فيها لبنان وساسته إلى دخول المجلس النيابي لانتخاب رئيس للبلاد بعد أن رست الأمور على مرشحين هما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور. ورغم ذلك لا تزال فرنسا تحاول عبر إيفادها لودريان المتحمس دائماً للبنان، إيجاد تسوية ما وإعطاء المبادرة الفرنسية دفعاً جديداً ومزيداً من الزخم بعد فشل مساعيها السابقة مع القوى اللبنانية والدول المهتمة بلبنان والمتمثلة في اللقاء الخماسي. إذ تؤكد مصادر دبلوماسية فرنسية مطلعة لموقع “هنا لبنان” أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ارتأى تعيين لودريان أو عميد السلك الدبلوماسي ووزير أوروبا للشؤون الخارجية سابقاً، مستبدلاً بذلك باتريك دوريل المكلف بالملف اللبناني ومهندس فكرة التسوية (فرنجية مقابل سلام) بشخصية أقوى تابعت ملف العلاقات الدبلوماسية في الشرق الأوسط بين واشنطن والرياض، إضافة إلى أنها إشارة ثقة للبنانيين الذين عاتبوا فرنسا على مواقفها. واعتبرت المصادر أنّ ذلك من شأنه أن يساعد على إيجاد حلول قد تدفع الأمور نحو تسويات أو اتفاقات حول جملة ملفات بدءاً من الرئاسة وصولاً إلى الحكومة وملف التنقيب عن النفط والغاز، ومن جهة أخرى فإنّ لودريان وبحنكته السياسية المعروفة بحسب المصادر يمكنه أن يحسّن وضع فرنسا بعد فشل مبادرتها وإخفاق مساعيها السابقة إذ أنّ الرئيس ماكرون لا يزال يعول على إحداث خرق ما في جدار الرئاسة اللبنانية المقفل منذ أشهر.
وتؤكد المصادر الفرنسية أنّ خطوة ماكرون هذه جاءت عقب مواجهته من قبل حزبه في مجلسي النواب والشيوخ بسبب السياسات الخاطئة التي انتهجها لا سيما عبر تمسكه بشخص سليمان فرنجية مقابل السفير نواف سلام، وتدخله بالشؤون اللبنانية الداخلية، فيما ينقسم فريق الخارجية الفرنسية إلى فريقين بين مؤيد للتسوية ومعارض لها وعلى رأس المعارضين وزيرة الخارجية الحالية كاترين كولونا، وتشير المصادر إلى أنّ الفريق المعارض نبّه ماكرون من ذهابه بعيداً في مسألة دعم فرنجية واصفةً إيّاه بمشروع رجل بشار الأسد في لبنان.
وكشفت المصادر عن صراع فرنسي – فرنسي حول السياسة الخارجية لفرنسا، فيما تعيين لودريان قد أدى إلى غضب الممسكين بالملف اللبناني في الإليزيه، وتمثل هذا الصراع بمحاولة فرنسية جديدة سبقت زيارة لودريان إلى لبنان عبر طرح اسم مرشح ثالث هو “الوزير السابق زياد بارود” الذي زار باريس منذ أيام والتقى المسؤولين عن الملف اللبناني ساعياً إلى دعم ترشيحه للرئاسة، وقد وعد بهذا الدعم في حال كان قادراً على جمع عدد من الأصوات يخوله النجاح في الدورة الثانية.
وعلم موقع “هنا لبنان” أنّ بارود عاد إلى لبنان محاولاً استقطاب كتلة الإعتدال الوطني بعد لقائه بهم إلا أنه لم يوفّق، لكنه قد يكون قادراً على إستقطاب بعض النواب التغييريين والوسطيين الذين لم يعلنوا عن اسم مرشحهم بعد، وتشير المصادر إلى أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي أعلن عن ترشيح التيار لجهاد أزعور فتح الباب على إمكانية ترشيح اسم ثالث وقد يكون بارود والذي كان من الأسماء التي طرحها سابقاً إذ قال: “تقاطعنا مع كتل نيابية أخرى على اسم جهاد أزعور من بين أسماء أخرى اعتبرناها مناسبة وغير مستفزّة ونحن أعطينا موافقتنا عليها وعدم ممانعتنا لوصولها وهم اختاروا واحداً منها؛ ونحن رأينا أن يحصل التقاطع على أكثر من اسم لمزيد من المرونة”.
وكذلك فإنّ حزب الله المتمسك بفرنجية قد يتقاطع على اسم زياد بارود الذي تواصل مع الحزب لدعم ترشيحه، أما بالنسبة لحركة أمل فإنّ نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب يحاول تسويق إسم بارود لدى الرئيس نبيه بري لإخراج الاستحقاق الرئاسي من أزمته بعد أن فشلت مبادرته مع القوى السياسية.
وتعتبر مصادر لبنانية متابعة للشأن الفرنسي أنّ فرنسا طوت صفحة السير بفرنجية ولو بشكل غير معلن وذلك بعد ٣ سنوات من الإخفاق في الملف اللبناني الذي تابعه السفير باتريك دوريل وكل من السفراء إيمانويل بون وبرنار إيمييه، وعقب تدخل من الفاتيكان وزيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى باريس والفاتيكان، إضافة إلى التشدد في موقف لودريان من النظام السوري وانتقاده الدائم للفساد في لبنان وهو من واكب العديد من المحطات السياسية والأليمة منها التي عاشها اللبنانيون وكان آخرها انفجار مرفأ بيروت. وبحسب معرفته بمن سيلتقيهم من مسؤولين في لبنان والتي ستتحضر المواعيد لهم مع السفيرة الفرنسية آن غريو العائدة من باريس، فإنّ مهمة لودريان ستكون صعبة وسط التشنج السياسي الحاصل.
إلا أنّ اختياره يعتبر بحسب المصادر إشارة واضحة أنّ فرنسا ورئيسها مهتمان بلبنان وستبقي المحركات السياسية تعمل من أجل إحداث خرق في جدار الأزمة القائمة والعمل من أجل التوافق بالتعاون مع الدول العربية الفاعلة لا سيما المملكة العربية السعودية التي نسج لودريان معها علاقات قوية تمكنه من التواصل معها.
وكشفت المصادر لموقعنا أن الموفد الفرنسي لن يزور لبنان قبل جلسة انتخاب الرئيس في ١٤ حزيران بل سينتظر إلى ما بعدها كي يتظهر السيناريو الرئاسي ومعرفة لمن ستميل الدفة إلى فرنجية أم إلى أزعور أم سيتم تطيير النصاب الدستوري، وكي لا تتهم فرنسا مجدداً بالتدخل في الشؤون اللبنانية بعد فشل مبادرتها، فيما جدول عمله ولقاءاته ليس واضحاً بعد.
وتعتبر مصادر نيابية لبنانية مطلعة على السياسة الفرنسية أنّ قرار تعيين لودريان موفداً جديداً إلى لبنان دليل واضح على تغيير فرنسا لمسارها ومقاربتها للملف اللبناني بصورة مختلفة عما سبق بعد أن تيقن الرئيس الفرنسي أن القوى المسيحية والتغييرية قامت بواجباتها وتوحدت على خيار عبر ترشيح جهاد أزعور، واختيارها للودريان موفق لأن مواقفه واضحة من مسألة سيادة لبنان ولجهة دعم مطالب شعبه والتي تمثلت بثورة ١٧ تشرين.
زيارة لودريان إلى لبنان سيكون لها وقعها بعد أن بات واضحاً أن لا انتخاب لرئيس في جلسة ١٤ حزيران والتي ستكون جلسة تحدٍّ فقط ومفقودة النصاب، وسط مخاوف من تحضير أحداث أمنية وغير أمنية من شأنها إفشال وتطيير انعقاد الجلسة، وكذلك وسط تشاؤم من الرقم 14 حيث اغتيل الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط أيضاً.