القطاع الزراعي يتنفس الصعداء: ارتفاع الطلب في الأسواق الخليجية على أصناف معينة
رغم الأزمات ما زال القطاع الزراعي على هامش أولويات الدولة والحكومات المتعاقبة، بدلاً من استثماره والإفادة منه للخروج من الأزمة الاقتصادية.
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية والمالية، ألمّت بالقطاع الزراعي أزمات جمة رغم أنه يُعد أحد أبرز القطاعات التي تساهم في بناء اقتصاد متين وبنيوي، إلّا أنه لا يزال على هامش أولويات الدولة والحكومات المتعاقبة، وفيما المواطن يئن من غلاء أسعار الخضار والفاكهة، يكافح المزارع بقوة من أجل البقاء.
لطالما كان ابتداع الحلول سمة تميز بها اللبناني فس مواجهة الأزمات، ولذلك رأينا إعادة إحياء للعادات اللبنانية القديمة كتحضير المونة وتخزينها لأنها بطبيعة الحال أقل كلفة، كما اتجه قسم من اللبنانيين ومن بينهم تجار وكبار المزارعين إلى الاستثمار في أرضه أو في قطعة أرض “يضمنها” من المالك ليزرع فيها الأشجار المثمرة أو زراعات رخيصة كالقمح والشعير.
وفي هذا الإطار يكشف المهندس الزراعي باسم لطوف في حديث لـ “هنا لبنان” أن الأزمة الاقتصادية دفعت بالكثيرين إلى زراعة الأشجار المثمرة كأشجار الفواكه بسبب قلة التكاليف التي تتطلبها مقارنة مع زراعة الخضار، وهذه الأشجار تؤمن الربح والاستمرارية على المدى البعيد كونها مُعمّرة”. لافتاً إلى أن أبرز هذه الأشجار التفاح والكرمة (العنب على أنواعه) والذي ازداد الطلب عليه لتعزيز صناعة المشروبات الروحية في الأسواق المحلية، ومن أجل التصدير الخارجي (نظراً لازدياد الطلب على عنب الطاولة)، مستدركاً أن كل المنتجات الزراعية يجب أن تخضع لمعايير معينة كي تصبح قابلة للتصدير.
وكما هو معروف يساهم القطاع الزراعي بنحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الثالث من حيث الأهمية بعد قطاعي الخدمات والصناعة ويؤمن دخلاً لحوالي 15% من السكان بما يقارب 250 ألف عائلة. في وقت تشكل نسبة الأراضي الصالحة للزراعة حوالي 60% من إجمالي مساحة لبنان بينما المساحات المزروعة لا تتجاوز 20%.
بدوره يؤكد رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع ابراهيم ترشيشي في حديث لـ “هنا لبنان” أن الأراضي المزروعة تراجعت بسبب افتقار المزارعين الإمكانات المادية المطلوبة لمراحل زراعة الكثير من الأصناف، ومن كان يزرع 100 دونم مثلاً بات اليوم يزرع 50 دونم، ومن تجده يستثمر أرضه اليوم أو يستثمر الأرض من التجار وكبار المزارعين فهو يلجأ إلى الزراعات الرخيصة كزراعة القمح والشعير أو تبقى أرضه قاحلة.
أما في ما يتعلق بالمعايير المطلوبة فيرى لطوف أن هناك مجموعة شروط من الضروري التقيد بها كي يصبح المنتج جاهزاً للتصدير، وكذلك على الدولة تشجيع المزارع على السير بها، ودعم المزارع كي يتمكن من الاستمرار في عمله، وهذا يأتي ضمن استراتيجية زراعية للدولة تلحظ تفعيل ودعم كل مقومات القطاع كي يستعيد عزه مجدداً.
هذا النشاط الزراعي المستجد في مناطق عديدة من البقاع يقابله إنخفاض في القطاع نفسه في العديد من المناطق الساحلية ومنها جبيل، حيث يوضح لطوف “لاحظنا عدداً من المزارعين ينزعون أغطية النايلون عن البيوت البلاستيكية، إثر الخسائر التي يتكبدونها بسبب الفارق بين التكاليف وبين أسعار المبيع”.
ومن المؤشرات الإيجابية التي لطالما دفعت بالمزارع إلى التفاؤل يشير لطوف إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي قد بدأت بتسلم المنتجات الزراعية والإنتاج اللبناني أكثر من ذي قبل، والمستهلك الخليجي مرتاح للكثير من المنتجات الزراعية اللبنانية التي بدأت بالوصول إلى مطبخه”.
فعلى سبيل المثال ازداد الطلب العالمي على الأفوكا، فلجأ مزارعو الساحل اللبناني إلى تكثيف زراعة هذه الأشجار مستندين إلى ملائمة الطقس اللبناني لزراعة هذا النوع من الفواكه، “والآن يتم تصديرها إلى العديد من البلدان كالعراق وعدد من دول الخليج وعدد من البلدان الأوروبية التي ارتفعت نسبة استهلاك الأفوكا فيها” يشرح لطوف.
وكما في السابق، بالنسبة للتصدير إلى الأسواق الخارجية، يقوم كبار المزارعين ممن لهم باع طويل في القطاع الزراعي بهذه الخطوة، وهم يُعدّون من أصحاب رؤوس الأموال الكفيلة بالحفاظ على استمراريتهم.
وناشد ترشيشي ختاماً المعنيين بضرورة وضع خطة للنهوض بالقطاع الزراعي، بدلاً من تركه يتخبّط في الأزمات، فحتى اليوم لا يزال المزارع في وادٍ والمسؤولون في واد، فهل من المنطقي أن يتحول الإهمال والتهميش إلى واقع يعتاد عليه المزارع؟”
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |