مسؤولية الاعتدال والمسؤولية تجاهه
لم يعد من الممكن لكتلة الاعتدال أن تبقى في منطقة اللا-اصطفاف. فالبقاء فيها لفترة طويلة، يفقد هذه الكتلة الدور والموقع، لا بل يفقدها مبرر وجودها، ويطرح على جميع القوى تحدي التعامل معها كأنها كتلة نيابية لبرلمان ينتمي إلى دولة أخرى.
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
تلعب كتلة الاعتدال لعبة محفوفة بالمخاطر، وهي الناتجة عن مرحلة ما بعد تعليق الرئيس سعد الحريري للعمل السياسي. على عاتق هذه الكتلة وهي الأكبر عددياً في الطائفة السنية، مسؤولية المرور في حقول ألغام كثيرة، وعلى عاتقها أيضاً مسؤولية أن لا تبقي نفسها “لا معلقة ولا مطلقة”، تجنباً لاتخاذ موقف، سواء من الاستحقاق الرئاسي، أو من سائر الاستحقاقات المقبلة.
لم يعد من الممكن لكتلة الاعتدال أن تبقى في منطقة اللا-اصطفاف. فالبقاء فيها لفترة طويلة، يفقد هذه الكتلة الدور والموقع، لا بل يفقدها مبرر وجودها، ويطرح على جميع القوى تحدي التعامل معها كأنها كتلة نيابية لبرلمان ينتمي إلى دولة أخرى، في حين أن معظم أعضائها وصلوا إلى الندوة النيابية، بقدرة تمثيلية لكلّ منهم، تكفي لبناء موقف، وليس لاتخاذ موقع، يجانب المواجهة، ويحاذر تمثيل طائفة، لا تحتاج قواعدها الشعبية، إلا لمن يكون في المقدمة.
إذا كانت هذه مسؤولية الكتلة، فمسؤولية القوى السياسية التي تنتقد أداءها مضاعفة. لقد ترك النواب السنة يسلكون طريق الاحتجاج على ما آلت إليه التوازنات الحالية، لكن أداء القوى السياسية الأخرى لم يساهم إلا بتعزيز هذا الاحتجاج. عوملت كتلة الاعتدال بشيء من التجاهل، وصحيح أنه لا يمكن إعفاؤها من بعض المسؤولية، إلا أن المسؤولية تقع بغالبيتها على القوى السياسية التي تجاوزت الكتلة، وتصرفت معها كأنها مجموعة من نواب محليين، يفتقدون للقدرة على اتخاذ القرار وإمساك المبادرة.
سبق أن اتخذ نواب الاعتدال قراراً غريباً بالتصويت بشعار في الدورة الأولى، وبالتعهد بالتصويت لمرشح في الدورة الثانية. نفذ الاعتداليون هذا التكتيك، مع المرشح ميشال معوض الذي يحتفظ بصلات ممتازة مع معظمهم، ونفذوه مع جهاد أزعور، لكن النتيجة تبقى واحدة: إنه سلوك ينم عن حرد في السياسة، والسياسة لا تعرف الحرد، ولهذا أعلن أحد أبرز أعضاء الاعتدال النائب محمد سليمان، أن الجلسة المقبلة ستشهد تصويتاً من الجميع ومن الدورة الأولى على مرشح لا على شعار.
هذا الإعلان يفترض أن يفتح الباب، على حوار عميق ومباشر يجب أن يبدأ، وأن ينهي كل هواجس ما تحت الطاولة، وأن يعطي الضمانات، على طريقة ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وأن ينتهي إلى النتيجة الطبيعية، وهي أن المكان التلقائي لهؤلاء النواب، هو مشروع الدولة، ومن هذه الأرضية الصلبة، يفترض أن تترجم تحالفاتهم، وأن يترجم تصويتهم في جلسة انتخاب الرئيس، للمرشح الذي تتوفر فيه هذه الصفات، وللرئيس الذي يحفظ دستور الطائف بكل مندرجاته.
الرهان أن يعي الأقربون والأبعدون، أن الاعتدال لا يكون إلا في صلب مشروع الدولة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |