فتح اعتمادات رواتب القطاع العام بموازنة غير موجودة.. “هرطقة” قانونية قابلة للطعن وإرهاق إضافي للخزينة
في جلسة تشريعية تأمن نصابها الذي يتعذر تأمينه في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، أقرّ مجلس النواب فتح اعتمادات في موازنة العام 2023 قبل تصديقها، فكيف يمكن لمجلس النواب أن يعدل في موازنة عامة لم يقرها بعد؟
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:
لا تزال الحكومة تدور في الحلقة المفرغة نفسها منذ بداية الأزمة مستخدمة السياسة الترقيعية ذاتها في معالجة الملفات المعيشية على رغم التحذير من الأسوأ. فتوهم الموظفين بمنحهم حقوق ورواتب، أموالها وهمية من موازنة غير موجودة، وحتى لو تأمنت فإن قدرتها الشرائية إلى تراجع.
وآخر حلقاتها دارت على عجل وفي جلسة تشريعية تأمن نصابها الذي يتعذر تأمينه في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، أقرّ مجلس النواب اقتراحي قانونين، الأول يرمي إلى فتح اعتمادات في موازنة العام 2023 قبل تصديقها بقيمة 37,409,938,79800 ل.ل وتخصص لإعطاء تعويض مؤقت لجميع العاملين في القطاع العام وللمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي، إضافة إلى زيادة تعويض للنقل المؤمن لجميع الموظفين في القطاع العام. والاقتراح الثاني يتعلق بفتح اعتماد بقيمة 265 مليار ليرة لتغطية نفقات إعطاء حوافز مالية بدل نقل لأساتذة الجامعة اللبنانية لتمكينها من استكمال العام الجامعي 2022-2023، في مشهد أعادنا بالذاكرة إلى المزايدات حول سلسلة الرتب والرواتب وتداعيات إقرارها الكارثية على مالية الدولة.
أما دستورياً فكيف يمكن لمجلس النواب أن يعدل في موازنة عامة لم يقرها بعد؟ وأين موازنة العام 2023 التي من المفترض أن تصل إلى لجنة المال والموازنة لدراستها في أيلول 2022 وأن يناقشها المجلس النيابي ويبتها دستورياً قبل نهاية 2022؟
في هذا الإطار أكد النائب رازي الحاج في حديث لموقع “هنا لبنان” أنّ ما حصل هو مخالفة قانونية، وهناك لغط كبير عند الحديث عن أن المادة 12 من قانون المحاسبة العمومية تجيز فتح اعتماد ما قبل تصديق الموازنة. إذ أنّ المادة 11 من قانون المحاسبة العمومية تنص على أنه لا يجوز فتح اعتماد إلا بوجود موازنة وهنا نصها:
“الاعتمادات على نوعين:
– أساسية وهي التي تفتح بموجب قانون الموازنة.
– إضافية وهي التي تزاد إلى الاعتمادات الأساسية بعد نشر الموازنة. والاعتمادات الإضافية على نوعين:
– تكميلية وهي التي تفتح لمواجهة نقص في بند معين.
– استثنائية وهي التي تفتح لمواجهة نفقة لم يخصص لها أصلاً أي اعتماد في الموازنة.”
أما المادة 12 في قانون المحاسبة العمومية تتيح فتح اعتمادات في موازنة لم تقرّ، إنما ترتبط بعدم إقرارها في مجلس النواب وليس قبل رفعها إلى مجلس الوزراء وهي تنص: “…يجوز بصورة استثنائية فتح اعتماد في موازنة ما قبل تصديقها شرط أن يدون فيها”.
وهنا شدد الحاج على أنه حتى يتمكن المجلس النيابي من تطبيق المادة ١٢ من قانون المحاسبة العمومية، يفترض أن تكون الموازنة قد أعدت ونوقشت على الأقل في الحكومة وهو ما لم يحصل حتى اليوم.
وبالتالي لا يمكن فتح اعتمادات في موازنة لم يبدأ مجلس الوزراء بمناقشتها، لأن المشرع اعتبر أنّ هناك حالات استثنائية يكون فيها مشروع الموازنة يناقش فيما تضطر الحكومة لفتح اعتماد يكون موجوداً في صلب الموازنة المطروحة وليس كحال اليوم بفتح اعتماد في ظل عدم وجود موازنة.
ورأى الحاج أنّ ما حصل هو هرطقة قانونية قابلة للطعن لأنّ فتح اعتمادات بهذه الطريقة يضرب الانتظام المالي ومفهوم أي موازنة إصلاحية. وبالتالي لا يمكن فتح اعتمادات عشوائية خارج نطاق الموازنة التي يجب أن ترتكز على أهداف إصلاحية على المستوى الاقتصادي وإلا لماذا يتم وضع فذلكة للموازنة فهي ليست دفتر حساب إيرادات ونفقات.
وإذ لفت الحاج إلى كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن “الاعتمادات لهذين الاقتراحين مؤمنة، وهناك إيرادات مؤمنة في الموازنة”، سأل كيف يتم وضع هذه النفقات في طلب فتح الاعتماد كقروض داخلية.
وشدد الحاج على أن سياسة الترقيع ليست هي الحل، وانتظام الدولة لا يبدأ إلا بانتخاب رئيس جمهورية وقيام حكومة لافتاً إلى أنه عندما تم طرح هذه الاقتراحات على اللجان النيابية المشتركة كان سؤالنا واضحاً: “هل ينتظم عمل الإدارة إذا أقرّت هذه الرواتب؟ هل ستعود الإدارة إلى القيام بدورها؟ هل باشرتم بإعادة هيكلة القطاع العام؟ وهل تم الاستغناء عن الموظفين الذين وظفوا خلافاً للقانون؟
لا شك أنها حكومة تشتري الوقت فقط وتمعن في تعميق الأزمة وتضرب الطبقات المتوسطة إذ أنّ همها الوحيد زيادة الإيرادات من خلال مواطنين يمتثلون ضريبياً.
الحل وفق الحاج هو بالضغط باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية لأنه بداية للحل ولانتظام مؤسسات الدولة وكل من يتساهل مع هذه الإدارة السياسية بتمرير بعض الأمور يعطيها الحجة لتقول “البلد بيمشي بلا رئيس” وبالتالي يساهم في استمرار الفراغ.
أما اقتصادياً فأكد الحاج أن الحلول تنطلق من السياسة النقدية وليس فقط من السياسة المالية إذ أنّ سبب الانهيار الاساسي اليوم هو سعر الصرف، وزيادة الرواتب قد تؤدي إلى تضخم في الكتلة النقدية ما قد يسبب المزيد من انهيار سعر الصرف ونكون بذلك قد أعطينا بيد وأخذنا بالأخرى. ولذلك، يجب اتخاذ إجراءات في السياسة النقدية والتخفيف من الكتلة المتداولة بالليرة اللبنانية ما يساهم في انخفاض سعر الصرف إلى مستويات تستطيع أن تعيد للرواتب قدرتها الشرائية، وهو الحل الأفضل من الزيادات العشوائية التي تنعكس تضخماً بالكتلة النقدية.
ومن هنا، يبدو جلياً أنّ الإدارة السياسية مستمرة بسياسة الترقيع، ما فتك بالمؤسّسات وحال دون قيام دولة قادرة على تأمين أبسط مقوّمات الحياة الكريمة لشعبها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |