“المركزي” ينقذ لبنان من اللائحة الرمادية.. هكذا حرّك التعميم 165 عجلة المال؟!
جاء تعميم مصرف لبنان رقم 165 ليجفف الأوراق النقدية ويخفف الإعتماد عليها في تسديد فواتير الإستهلاك للأفراد، وفواتير المصاريف التشغيلية للمؤسسات، وينقذ لبنان من وضعه على اللائحة الرماديّة.
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
بعد أكثر من أربع سنوات على اندلاع وتفاقم الأزمة الإقتصاديّة التي ضربت لبنان وشلّت جميع قطاعاته، وعلى رأسها القطاع المصرفي، عادت محرّكات هذا الأخير إلى العمل من جديد، عبر خطط لتحفيز المودعين الجدد على إيداع الأموال في الحسابات الجديدة من خلال منح فوائد ضئيلة على الإيداع تصل إلى 0,5 في المئة، أو من خلال إتاحة الاقتراض بالفريش دولار بحدّ أقصى يصل إلى 10 آلاف دولار، أو من خلال عدم تقاضي العمولات على عمليات السحب وعلى فتح الحسابات. وبفضل هذه التحفيزات المتواضعة، تمّ فتح حوالي 220 ألف حساب مصرفي جديد بالدولار منذ صدور التعميم 150 في نيسان 2020، والذي أجاز فتح الحسابات بالفريش دولار بقيمة إجمالية مقدّرة بين مليار و2.600 مليار دولار في ظلّ غياب الأرقام الرسمية.
الأمر الذي يؤكّد الحاجة الملحّة للمصارف، وأهميّة عملها في تسيير شؤون المواطنين، فعلى الرغم من كلّ ما يتمّ تسويقه حول فقدان المواطنين الثقة بالقطاع المصرفي في لبنان، إلاّ أنّ ذلك لا ينفي الحاجة الملحّة للنهوض بهذا القطاع من جديد، فلا إقتصاد يمكن أن يستمر بدون قطاع مصرفي قويّ.
التعميم أنقذ لبنان من اللائحة الرماديّة
وبناء على التعميم 150، تم فتح غالبية تلك الحسابات بهدف تسيير أعمال المؤسسات والشركات لناحية إتمام التحويلات المالية من وإلى لبنان بهدف الاستيراد والتصدير، أو لتلقي تحويلات المغتربين إلى أفراد عائلاتهم في لبنان لتعود بذلك الحركة المصرفيّة إلى عملها الطبيعي، عبر العمولات المنافسة بين المصارف على السحوبات والتحويلات.
ولتعزيز استخدام تلك الحسابات الفريش، ليس فقط للتحويلات المالية من وإلى لبنان، بل لإتمام عمليات الدفع الإلكتروني أيضاً من خلال الشيكات والبطاقات الإلكترونية سعياً إلى تقليص الاعتماد المطلق على السيولة النقدية في التعاملات المالية محلياً، والتي وصلت نسبتها إلى 80%، جاء التعميم 165 ليحدّ من التعاملات المالية النقدية ويحفز على إعادة مرورها عبر النظام المصرفي مما يتيح إمكانية تتبّعها.
هذا وكان لبنان على موعد مع مجموعة العمل الدولية (FATF) لتقييمه وتصنيفه حيال تعاونه مع إجراءات مكافحة تبييض الأموال، وفي المقلب الآخر، على تماسٍ مع البنك الدولي طالباً العون في محاربة الفقر وإدارة أزمة الغذاء، وأيضاً مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى برنامج إنقاذ وتمويل. فجاء التعميم الأساسي لمصرف لبنان الرقم 165 ليجفف الأوراق النقدية ويخفف الإعتماد عليها في تسديد فواتير الإستهلاك للأفراد، وفواتير المصاريف التشغيلية للمؤسسات، وينقذ لبنان من وضعه على اللائحة الرماديّة.
فما هو هذا التعميم وما فوائده؟
يتعلق التعميم بعمليات التسوية الإلكترونية العائدة لـ “الأموال النقدية”، ويجيز التحويلات وإصدار الشيكات عبر مقاصّة داخلية في مصرف لبنان، بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي “الفريش”.
كان يُفترض أن يبدأ العمل بهذا التعميم مع بداية شهر حزيران، إلّا أنّ مصرف لبنان أعطى المصارف مهلة إضافية من أجل الالتزام بمندرجاته، خصوصاً أنّ التعميم يطالب المصارف بالتزامات نقدية قد يحتاج تأمينها إلى بعض الوقت.
لا بدّ من دعم القطاع الخاص
وفي هذا الإطار يقول الخبير الاقتصادي أنطوان فرح أنّ “التعميم 165 أثار في بادئ الأمر ذعراً لدى المصارف اللبنانيّة ولم يكن هناك رغبة كبيرة لدى المصارف بأن تضطر لفتح حسابات جديدة بالدولار لدى مصرف لبنان، على اعتبار أنّ التعميم 165 يقضي بفتح هذه الحسابات لإجراء المقاصة في لبنان، مقاصة الشيكات بالدولار، في لبنان وليس في نيويورك، ومع ذلك تجاوبت المصارف لإدراكها مدى أهميّة هذا التعميم في هذا الوقت. فالدولة تأخّرت كثيراً بالانتقال من مرحلة الانهيار والافلاس إلى مرحلة التعافي عبر إقرار خطّة التعافي والاتفاق مع صندوق النقد الدولي وبالتالي كان لا بدّ من تسيير شؤون البلد في مرحلة الانتظار، خصوصاً وأنّ القطاع الخاص تأقلم نسبياً وعاد إلى الإنتاجية بشكل مقبول. لذلك لا بدّ من دعمه”.
التعميم سيخفف من الاقتصاد النقدي
بالإضافة إلى ذلك، يقول فرح، المؤسسات الدوليّة الرقابيّة كادت تضع لبنان على اللائحة الرمادية على اعتبار أنّه يتّبع ما يعرف بالاقتصاد النقدي وكان لا بدّ من التخفيف من هذا النوع من الاقتصاد لنبعد عن لبنان شبهة تبييض الأموال، ولذلك يعتبر هذا التعميم إيجابياً بمنظور أنّه إجراء مؤقت لظرف استثنائي مؤقت”.
واعتبر أنّ “هذا التعميم سيساهم في التخفيف من الإقتصاد النقدي، وقد لاحظنا أنّ هناك بعض المؤسسات التي بدأت تضع على واجهتها أنّها تقبل الدفع بالبطاقات المصرفيّة “الفريش دولار”، والشيكات “الفريش دولار”، وبالتالي سيتراجع الاقتصاد النقدي وهو أمر إيجابي إلّا أنّه يبقى إجراءً استثنائياً لوضع استثنائي لا بد أن يتغيّر عندما نصل إلى خطّة التعافي ونتفق مع صندوق النقد الدولي وننتقل إلى المشهد الآخر”.
الهدف هو تحريك عجلة المال
بدوره رأى الخبير الاقتصادي الدكتور خلدون عبد الصمد في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “التعميم 165، قسّم المصارف اللبنانيّة إلى قسمين، الـ good banks والـ bad banks ، أي كلّ الودائع ما قبل ثورة 17 تشرين أصبحت debit، والودائع بعد 17 تشرين ينطبق عليها التعميم. ما يعني أن المصرف المركزي غيّر النظام لإعادة تشغيل المصارف فاصلاً بين الودائع ما قبل وبعد 17 تشرين، عن الحسابات الحاليّة، وبالتالي قد يكون لنفس الشخص حسابان حساب قديم وآخر جديد، القديم لا يمكن المسّ به أمّا الجديد فيمكن التصرّف به وفق القوانين الجديدة”.
ولفت إلى أنّه “وبهذا التعميم انضوت المصارف من جديد تحت جناح مصرف لبنان، والهدف هو تحريك عجلة المال”.