“الحزب” ولعبة القط والفأر مع لودريان
في حال اضطر الحزب للتراجع عن فرنجية – وهذا أمر صعب جداً أن يحصل – فإنه سيلجأ إلى لعبة القط والفأر، عبر الضغط للدفع بالحوار نحو تناول مسائل أساسية في تركيبة السلطة كرئاسة الحكومة وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وغيرها، وهناك من يذهب بعيداً بالجزم أن هدفه الأساسي والأهم هو تشريع سلاحه
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
منذ غادر جان- إيف لودريان بيروت قبل نحو أسبوعين وهو يفلفش عبثاً الأوراق التي دون عليها الأفكار والملاحظات التي سجلها خلال لقاءاته الواسعة والمتشعبة مع مختلف القوى السياسية والمرجعيات عله يعثر على الخيط الذي يمكن أن يجمع أو يشكل على الأقل أساساً يبني عليه أرضية مشتركة ينطلق منها ليجد سبيلاً لإخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة، والذي تتحمل بلاده جزءاً من المسؤولية تجاهه. الموفد الخاص للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تم تعيينه قبل نحو شهر على وجه السرعة بعدما فشلت خلية القصر الرئاسي في الإليزيه في تسويق حل غير منطقي ولا يليق بوسيط، وبالأخص إذا كانت فرنسا، عليه أقله ألا يكون منحازاً لطرف على حساب آخر. ولذلك، كان على لودريان أن يكون في مهمته مستمعاً كما فعل وبطبيعة الحال متخلياً أو متخطياً تبني ترشيح باريس سليمان فرنجية باسم الواقعية السياسية بعدما ثبت له بالأرقام أن الفريق الداعم يمثل أقلية عددية رغم أنه يعبر عن نهج وسياسة مكون أساسي في البلد، هو الطرف “الممانع” الذي يتمتع بقدرة على التعطيل الدستوري والمذهبي. وبغض النظر عن الأزمة التي طرأت على الوضع السياسي الفرنسي الداخلي في الأيام الأخيرة، والتي جعلت على الأرجح إمكانية عقد خلوة مع الرئيس الفرنسي لوضعه في صورة ما سمع واستنتج وما كوّن من تصورات، فإن لودريان بلا شك يعمل على إخراج تسوية تبحث منطقياً عن حل وسط بين الأكثرية التي تدعم جهاد أزعور والأقلية التي تتبنى ترشيح فرنجية، عبر جمع الأطراف كافة إلى طاولة حوار كما رشح، وإذا لم تكن في بيروت ففي باريس. وهذا ما يسعى إليه “حزب الله” الذي أكد للودريان استعداده للحوار وإنما إصراره على فرنجية. وفي حال انحشر واضطر للتراجع عن فرنجية – وهذا أمر صعب جداً أن يحصل – فإنه سيلجأ إلى لعبة القط والفأر، عبر الضغط للدفع بالحوار نحو تناول مسائل أساسية في تركيبة السلطة كرئاسة الحكومة وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وغيرها، وهناك من يذهب بعيداً بالجزم أن هدفه الأساسي والأهم هو تشريع سلاحه كما حصل في العراق مع “الحشد الشعبي” الذي أصبح جزءاً من القوات المسلحة العراقية. وهذا ما سيدفع قوى أساسية، وتحديداً القوات اللبنانية إلى مقاطعة أي حوار من هذا النوع أو مغادرته عندما تطرح مسألة تركيبة السلطة، إذ أنّ “حزب الله” بات مقتنعاً أن إمكانية الخروج من “اتفاق الطائف” أو تعديله باتجاه المثالثة أمر متعذر، وسيحاول بالتالي الاستعاضة عن ذلك بما يعتبره ضمانات في السلطة تتخطى رئاسة الجمهورية وتؤمن “حماية ظهره”. وبما أنّ محاولة ولوج هذه المغامرة الخطرة والمدمرة للتركيبة والصيغة اللبنانية سيعني الشلل وتعميق الأزمة وتفاقمها، وبما لذلك من مضاعفات على الصعيد العربي والإقليمي، فإن الوسيط الفرنسي قد يلجأ عندها إلى الاستعانة بإيران ولي أمر “حزب الله” ليصبح الشريك الفعلي السادس إلى جانب أطراف الخماسية الدولية المؤلفة من فرنسا وأميركا والسعودية ومصر وقطر، ويكون حسن نصرالله قد حقق غايته بإدخال إيران رسمياً وسيطاً معنياً في الشأن اللبناني، مثله مثل أي بلد عربي رغم أنه سيد وربيب فريق مسلح خارج الشرعية، ويعارضه معظم اللبنانيين الذين يستقوي عليهم بسلاحه. ويعود لبنان ويدخل في نفس الدوامة التي تؤكد من خلالها طهران أنها لا تتدخل في شؤوننا الداخلية، وأن “حزب الله” هو من يقرر في لبنان. والبرهان على ذلك أن النظام الإيراني، ورغم الاتفاق الذي وصفه البعض بالتاريخي مع السعودية، لم يقدم حتى الآن، خارج الشكليات والعلاقات الثنائية، أي تنازل لا في اليمن ولا في سوريا ولا في العراق، ولن يقدم في لبنان… علماً أنه حصل على إعادة تعويم النظام في سوريا وإعادته إلى حضن الجامعة العربية. وأمس قدم العرب ثمناً آخر بامتناعهم عن التصويت على قضية إنسانية أي قرار الأمم المتحدة إنشاء هيئة مستقلة لمتابعة مسألة المعتقلين في السجون السورية!
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |