من غورو إلى غريو.. لبنان الكبير صار خيمة
في زمن غورو، كانت حدود لبنان مكفولة باتفاق سايكس بيكو الذي أبرمته الدولتان المنتصرتان في الحرب العالمية الأولى.
أما في زمن غريو، أصبحت حدود لبنان ضمن استقرار هش ينظم أحوال الشرق الاوسط.
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
في الأول من أيلول عام 1920 وقف المفوّض السامي الفرنسي الأول الجنرال هنري غورو في قصر الصنوبر في بيروت ليعلن ولادة “لبنان الكبير”. وفي 14 تموز عام 2023، وقفت في المكان نفسه سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو لتقول إن “دولة لبنان غائبة”.
كم تغيّر الزمن بشهادة من شخصيّتين فرنسيّتين رافقتا لبنان في فترتين متناقضتين من تاريخ هذا البلد.
من حيث الشكل، وبمحض الصدفة، كأن اسم عائلة المفوض السامي، غورو، يشبه إلى حد ما اسم السفيرة الفرنسية، غريو. لكن في المضمون، هناك فارق كبير، بحجم لبنان نفسه. فقد كان الطموح قبل 103 أعوام، أن يكون على قدر الدولة المنتدبة التي ورثت من السلطنة العثمانية مساحة ممتدة على المتوسط صارت لاحقاً دولتي سوريا ولبنان. ومن كلمات غورو في الاحتفال المشهود بولادة لبنان الكبير: “أعرف أنّكم فخورون بانتصاركم، وواعون لواجباتكم، تتطلّعون إلى المستقبل بثقة، وتعرفون من جانبكم، أّنه في الأمس كما اليوم، تستطيعون الاتكال على مساعدة فرنسا”. أما حفيدته، فبدت في مكان آخر عندما قالت: “إنني ألمس، وبكلّ رهبة، حجم التحديّات التي ما زال ينبغي تخطّيها لكي يستعيد لبنان المكانة التي يجدر به أن يشغلها في الشرق الأوسط وإزاء شركائه وأصدقائه”.
لا يجادل أحد في أن التغيير هو من سنّة الزمن في المطلق. أما في الزمن اللبناني الراهن، ومقارنة بزمن ما قبل قرن من الأعوام، فهناك الكثير من التبدلات التي تبدو مذهلة لمن يتسنى له المقارنة. ففي مقابل، كل الآمال التي كانت معقودة على الكيان الجديد، ما فتح له لاحقاً آفاق ازدهار حتى أصبح مضرب المثل بأنه “سويسرا الشرق”. ها هو اليوم يصبح “خيمة” في لعبة الأمم التي تدور رحاها على الحدود الجنوبية حالياً. في زمن غورو، كانت حدود لبنان مكفولة باتفاق سايكس بيكو الذي أبرمته الدولتان المنتصرتان في الحرب العالمية الأولى.
أما في زمن غريو، أصبحت حدود لبنان ضمن استقرار هش ينظم أحوال الشرق الاوسط. وفي هذا الاستقرار الهش، تطل دولتان هما على طرف نقيض في جنوب لبنان هما إسرائيل وإيران. وفي الوقت نفسه، تربض على حدود لبنان الشرقية والشمالية دولة مريضة تكاد أن تنهار، هي سوريا التي وصفتها غريو بأنها أصبحت “دولة مخدرّات”.
ماذا يعني توصيف لبنان بأنه صار “خيمة”؟
في الجواب، يطل التوتر الدائر حالياً، والذي يتحكم بحدود لبنان الجنوبية. هناك من يعتبر أنّ لبنان لن يشهد مرة أخرى حرباً كالتي عرفها عام 2006. لكن هناك أيضاً من يلفت الانتباه إلى أن إيران التي تخوض مجابهة مع الولايات المتحدة الاميركية لن تتردد في قلب الطاولة في الجنوب كما فعلت عام 2006 في سعيها لامتلاك أوراق تفاوض عبر “حزب الله” في المحادثات النووية والتي أثمرت اتفاقاً عام 2015 .
أما الخيمتان اللتان نصبهما “الحزب” في بداية حزيران الماضي في مرتفعات شبعا، وأبقى لاحقاً على واحدة، هي اليوم تعبير عن حال لبنان الذي صار استقراره مرهون بـ “خيمة” يتمسك “الحزب” ببقائها، وتهدد إسرائيل بإزالتها بالقوة أيًّا كانت العواقب.
في تموز 2006، أي قبل 17 عاماً، امتدت الخيم على امتداد لبنان لكي تؤوي عشرات إن لم نقل مئات الألوف من النازحين الجنوبيين الذين فروّا من جحيم تلك الحرب. وعندما انتهت هذه الحرب، كانت ألوف الخيم حاضرة لكي تأوي النازحين الذين عادوا إلى ديارهم التي أصبحت ركاماً.
بذل اللبنانيون بجهدهم وبدعم هائل من المجتمعين العربي والدولي كي يعاد إعمار ما تهدم عام 2006. اليوم، تلوح حرب بسبب خيمة “الحزب”. فهل سيشهد لبنان تحوله مجدداً مخيماً كبيراً؟
تغادر السفيرة غريو لبنان قريباً بعد انتهاء عملها. فهل تتذكر أن فرنسا التي رعت قيام لبنان الكبير، هي اليوم شاهدة على اختصاره بخيمة تحدد مصيره؟
فقط على سبيل أخذ العلم أفادت دراسة إسرائيلية صدرت يوم الخميس الماضي من قبل مركز “ألما” للأبحاث والتعليم، وهي منظمة غير ربحية مكرسة للبحث في التحديات الأمنية على الحدود الشمالية لإسرائيل، “أن هناك محاولة أكيدة من قبل منظمة حزب الله اللبنانية لزيادة الاحتكاك وإحداث مواجهة إقليمية تبدأ على طول الحدود مع إسرائيل”. وقالت الدراسة أن “حزب الله سيشن هجوماً مباشراً ضد قوات الجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود”.
نحن نعرف كيف تبدأ المواجهات، لكن غالباً لا نعرف كيف تنتهي!
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |