مسلسل الهجرة غير الشرعيّة مستمرّ وضحاياه إلى تزايد: فهل من يعرف عنهم شيئاً؟
شهدت سواحل الشمال اللبناني ما لا يقل عن 155 محاولة هجرة غير شرعية خلال الربع الثالث من عام 2022، شارك فيها 4637 شخصاً، وأدت الى وفاة 214 شخصاً على الأقل، وفقدان 225
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
تتوالى حلقات مسلسل الهجرة غير الشرعيّة في لبنان وتحديداً في منطقة الشمال، فعلى الرغم من التشديد الأمني المفروض من قبل القوى العسكريّة وعلى رأسها الأمن العام والجيش اللبناني، على المهرّبين، ومحاولة القوى الأمنيّة ضبط الحدود البحريّة، وعرقلة عمليات تهريب البشر، إلاّ أنّ المهرّبين لم ييأسوا بعد، ومحاولاتهم لا تزال مستمرّة، فيما الضحيّة الأكبر هي طالب الهجرة، الهارب من واقعه الأسود، إلى نفق مظلم، ومصير مجهول، ليقع ضحيّة النصب والاحتيال أو الموت غرقاً في قلب المحيط.
فعمليّات الهجرة غير الشرعية تنقسم إلى قسمين الأوّل يتعلّق بقوارب الموت، التي تهرّب لبنانيين وسوريين وفلسطينيين إلى خارج لبنان. والثانية، ترتبط بالتسلّل غير الشرعي لمواطنين سوريين، يحاولون دخول الأراضي اللبنانيّة بطريقة غير شرعيّة.
توقيفات وعمليّات بالجملة
فلا يكاد يمرّ أسبوع إلاّ ونسمع فيه عن سلسلة عمليّات للجيش اللبناني أحبط من خلالها محاولات تهريب بشر أو تسلّل غير شرعي. وآخرها إحباط وحدات من الجيش، بتواريخ مختلفة خلال الأسبوع المنصرم، محاولة تسلّل نحو 1100 سوري عند الحدود اللبنانية السورية، سبقها بأسبوع إحباط محاولة تسلل نحو 850 سوريًّا، وبأسبوعين، محاولة تسلّل نحو 700 سوري.
كما قبضت دوريّة من مديريّة المخابرات بتاريخ 30 / 8 / 2023، على المواطن (ي.د.) لمشاركته في تهريب أشخاص عبر البحر، في منطقة مشتل الزراعة – عكار.
لبنانيّون عالقون في ليبيا
وقد سبق ذلك، وتحديداً في أوّل آب، عرقلة قيادة الجيش عمليّة تهريب أشخاص، من سواحل العريضة على الحدود مع سوريا كانوا متجهين إلى أوروبا، بعد إلقائها القبض على الرأس المدبّر لهذه الرحلة ويدعى (ش.ح) من بلدة ببنين عكار. حيث كان من المفترض أن تقلّ الباخرة أكثر من 200 راكب، ولكن مباغتة مخابرات الجيش للرحلة قبل دقائق من أوان إقلاعها، جعلت الباخرة تفرّ بمن حضر من الركاب وعددهم 110، بحسب المعلومات التي تمّ تداولها.
إلّا أنّ من تمكّن من الفرار من الركّاب، كان على موعد مع عصابة تسمي نفسها كتيبة طارق بن زياد، على السواحل الليبية. احتجزتهم خطفاً، وهي تطالب بفدية، حسب المعلومات التي نقلتها وسائل إعلاميّة عن أهالي الركّاب.
النوّاب “ما معن خبر”
على المقلب الآخر، حاول موقع “هنا لبنان” التواصل مع عدد من نوّاب الشمال، إلّا أنّ أيًّا من نوّاب طرابلس أو عكّار لم يسمع أو يعلم بحادثة احتجاز هؤلاء اللبنانيين في ليبيا. أكثر من 110 راكبٍ مجهولو المصير، ونوّابهم “ما معن خبر” ولا يملكون أيّ معلومات أو معطيات عن القضيّة. فيما قسم آخر فضّل أن لا يكون على السمع عند معرفته بالموضوع الذي نرغب بالاستفسار عنه.
لم يقدّم بلاغاً أو شكوى
بدورها لفتت مصادر أمنيّة في حديثها لموقع “هنا لبنان” إلى أنّه “لا يمكن للدولة التحرّك في هذا الملفّ. لكون المهاجرين ليسوا جميعهم من اللبنانيين، بل بعضهم من الجنسيّة السوريّة والفلسطينيّة، وبحقّهم مذكّرات توقيف. كما أنّ الجهّة التي وقعوا في قبضتها لا يمكن للدولة التفاوض معها، لكونها جهة غير رسميّة بل عصابة. كما أنّ أحداً من أهالي الضحايا لم يتقدّم بشكوى أو بلاغ، وبالتالي لا يمكن للأجهزة الأمنيّة التحرّك من تلقاء نفسها في هكذا ملفّ”.
155 محاولة هجرة غير شرعيّة في العام 2022
ووفق تصريح سابق لوزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري، فقد شهدت سواحل الشمال اللبناني ما لا يقل عن 155 محاولة هجرة غير شرعية خلال الربع الثالث من عام 2022، شارك فيها 4637 شخصاً، وأدت الى وفاة 214 شخصاً على الأقل، وفقدان 225.
إلى ذلك كشفت مصادر مطّلعة على ملفّ الهجرة غير الشرعيّة في حديثها لموقع “هنا لبنان” كيف تتمّ عمليّة تهريب البشر، مشيرة إلى أنّ “الرحلات غالباً ما تنطلق بقوارب تتراوح سعتها بين 70 إلى 100 شخص، مسجّلة باسم أحد المهاجرين، من منطقة الشّمال، حيث الهروب أسهل بالنسبة إلى مناطق أخرى كبيروت والجنوب”.
وعن الوجهة التي يقصدونها تقول المصادر “يقصد المهاجرون غير الشرعيين تركيا، أو إيطاليا، طمعاً بالدخول إلى أيّ دولة أوروبيّة، فيما لم تسجّل أيّ رحلة بعد لأيّ دولة عربيّة. إلّا أنّ المشكلة تكمن في معظم الأحيان بحوادث تطرق على الزورق، قرب الشواطئ القبرصيّة، ما يدفع بالشرطة القبرصيّة إلى إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى لبنان. وفي الآونة الأخيرة أصبحت عمليّات التهريب أصعب بسبب التشدّد الأمني والمخابراتي الذي فرضته السلطات اللبنانيّة، ما يحبط أو يعرقل نجاح العمليّات، والتي تصل كلفتها إلى حدود الـ6 آلاف دولار على الشخص الواحد. وطبعا المبلغ لا يردّ حتى إن فشلت العمليّة”.
“ميت في الحالتين”
وعن الأسباب التي تدفع بالأشخاص إلى المخاطرة بحياتهم، واللجوء إلى هذه الأساليب من الهجرة تقول المصادر “الفقر والحاجة والأوضاع الإقتصاديّة المزرية التي يعيشها المواطنون، تدفع بهم إلى اختيار الهجرة غير الشرعيّة عن طريق البحر وتحمّل مخاطرها، ألا وهي الموت غرقًا في عرض البحر، بحثًا عن مستقبل ما، بعد أن فقدوا الأمل ببناء مستقبل في بلدهم. على قاعدة “ميت في الحالتين”. علماً أنّ موجات الهجرة غير الشرعيّة، ليست جديدة في لبنان، إلّا أنّ أعدادها ارتفعت بعد الأزمة الإقتصاديّة في العام 2019. فيما اللجوء إلى الأساليب الشرعيّة عبر تقديم طلبات هجرة إلى الخارج أصعب ومعقّد جدًّا، ويحتاج إلى كميّة أكبر من المبالغ. وتحدّه شروط وآليات طويلة ومعقّدة”.