من كوبنهاغن إلى بيروت… فاعليّة الدّيموقراطيَّة وبارانويا المعادلات!
ليس في دستور الدَّانمارك ما يفترِضُ التَّوافُق، لكن في ثقافة رجال الدَّولة جيناتُ البحثِ عن المشترك خدمةً للنَّاس في أمانهم الإنساني، والدنمارك في أمنها القوميّ.
كتب زياد الصَّائِغ لـ “هنا لبنان”:
في العام 1945 كتب اللَّاهوتيّ والقِياديّ في المجتمع المدني الدَّانماركي هال كوخ: “الدّيموقراطيَّة لا يُمكن تأمينُها أبدًا، إذ هي ليست نِظامًا يتمّ تنفيذُهُ فقط، لكنَّها أٌسلوب حياة يجب اتّباعُه”. أتى ما كتَبُه كوخ على وَقع انتِهاءِ الحربِ العالميَّة الثَّانية في سقوطٍ تاريخيّ مفصليّ للنَّازيَّة والفاشِيَّة، ما شكَّل للدانمارك، كما كُلّ دول أوروبا، فُرصَةً لترسيخِ مسارها الدّيموقراطيّ مكرِّسَةً الحقّ المدني، والحقّ الاقتِصادي، والحقّ الاجتِماعيّ، بُنيَةً مؤسِّسة في بلورتِها لرؤية متكامِلَة في حقوق الإنسان والحريَّات، بالاستِنادِ إلى دساتير مدنيَّة تُحاذِرُ التَّديين في الفضاء العامّ، مع احتِرامِ المعطى الأخلاقيّ الدّينيّ، وترفُض أحاديَّة التَّسييس بمعنى قناعتها بموجب اقتِلاع جذور الديكتاتوريَّة أكانَت ثيوقراطيَّة أو أوتوقراطيَّة.
الدَّانمارك ديموقراطيَّة فاعِلَة. قليلون يعرِفون أنَّ هذه الدّيموقراطيَّة التي تعُودُ جُذُورها إلى القرن التَّاسِع عشر هي توافُقيَّة. توافُقيَّة في السُّلوك السِّياسيّ ربطًا بالخير العامّ. ليس في دستور الدَّانمارك ما يفترِضُ التَّوافُق، لكن في ثقافة رجال الدَّولة جيناتُ البحثِ عن المشترك خدمةً للنَّاس في أمانهم الإنساني، والدنمارك في أمنها القوميّ.
بالعَودَة من كوبنهاغن الهادئة الجميلة، ثمَّة في بيروت مَن يستدعي الاستِناد إلى المعادلات. في ما يَطرَحُه هؤلاء بارانويا تؤطِّرُها أيديولوجيا الاستِعلاء، وانسياق نَحوَ تمجيد غَلَبَةٍ بمنهجيَّة الفَوقيَّة والقوّة. ليس غريبًا أن يَفهَم هؤلاءِ المعادلات غُربَةً عن مصلحة لبنان والشَّعب اللُّبنانيّ.
مُنطلقَات هذه المُعَادلات في الأساس ترى لبنان منصَّةً ومِظلَّة. في جغرافيا المنصَّة والمظلَّة لا يعُود للدّيموقراطيَّة أيُّ دور. في ديموغرافيا المنصَّة والمظلَّة يُمسي النَّاس حَقلَ اختِبار.
بيروت لم تكُن هكذا. من يُريدُ لها أن تكون هكذا مَرحليٌّ هو، وثباتُه في المُعَادلات ليس في جدليَّة التَّاريخ سِوى شِعارات.
من كوبنهاغن إلى بيروت المسار الجيو-سياسيّ العالميّ يتحرَّك. كان هال كوخ رؤيويًّا. رَغمَ الدَّمار الهائل الذي خلَّفته الحرب العالميَّة الثَّانيَة إمتلك ثِقَة انبِعاث الدّيموقراطيَّة، وأراد للدّانمارك أن تكونَ مؤثِّرة فيها. في بيروت النِّضالُ مستمِرٌ، والقِوى المجتمعيَّة الحيَّة السِّياديَّة الإصلاحيَّة تتحمَّل مسؤوليَّة أخلاقيَّة في موجب تحرير الدَّولة وإعادَة إنتاج الدّيموقراطيَّة بِنُبلِها. حمى الله لبنان.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أرتساخ قرة باغ بعد أوكرانيا…. أوهام الأيديولوجيَّات! | الهجرة واللُّجوء على ضفّتي المتوسِّط.. الإهتِزازات الجيو-ديموغرافيَّة | اللّاحلوة بعد اللّابارد: السّيادة المُصادرة! |