أرتساخ قرة باغ بعد أوكرانيا…. أوهام الأيديولوجيَّات!
الرّأي العامّ بات مقتنِعًا بالتّهديد الكياني لِقِيَم الحريَّة والتعدُّديّة والعدالة والسّيادة الذي تُمثِّله روسيا، أكثر مِنْه في التنبّه لصِراع النّفوذ والمصالِح
كتب زياد الصَّائِغ لـ “هنا لبنان”:
فلاديمير بوتين بعد 18 شهرًا من عدوانِه على أوكرانيا بالآلة العسكريَّة الرُّوسيَّة، لم يتأخَّر في الإعلان أنَّ قراره مرتبطٌ برؤيته حول “النّظام العالميّ الجديد”، ليُتابع أنَّ “أرتساخ قرة باغ كانت عائدة حتمًا إلى أذربيجان” متنصِّلًا من كُلّ التِزاماتِه مع أرمينيا. لَيْسَ من جيو-سياسيّ موضعيّ في الاستبلشمنت الرُّوسيّ. الأيديولوجيَّة الأمبراطوريَّة التي تحمِلها في جيناتِها مع مسارِ القبضة الحديديّة الستالينيّة المرجعيّة، مرورًا بتطويعِ لاهوتٍ تفوّقيّ، خُلوصًا إلى تشكيل حالاتٍ أقلويَّة تفرِض نَفْسَها مؤسِّسَة في مُعادلاتٍ إقليميّة ودوليَّة، هذه الأيديولوجيَّة الأمبراطوريَّة تحتاج تفكيكًا سيكولوجيًّا في أيّ لاإنتِظام عالميّ نحنُ مقبِلون عليه.
قد يعتقِد البعضُ إنَّ التّفكيك السيكولوجيّ المفترَض يقتصِرُ على روسيا، فيما يجِب وبِلا ريبٍ، فَهْمُ طبيعة التحوّل السّيكولوجيّ في الفِكْر الغربيّ، وتحديدًا الأوروبي، في ما ستبلُغ به المواجهة مع روسيا، خصوصًا وأنَّ الرّأي العامّ بات مقتنِعًا بالتّهديد الكياني لِقِيَم الحريَّة والتعدُّديّة والعدالة والسّيادة الذي تُمثِّله روسيا، أكثر مِنْه في التنبّه لصِراع النّفوذ والمصالِح. موجات اليمين المتطرّف المتعاطفة مع روسيا تَطْرَح تحدّيًا واسِعًا في هذا السّياق.
هذا التحوّل السّيكولوجيّ تاريخيّ، وهُو يُحيّد روسيا بشعبها عن خيارات الاستبلشمنت الأيديولوجيّ واللّاهوتيّ والسّياسيّ والعسكريّ والاقتصاديّ الذي يرأسه بوتين. التّحييدُ المُشار إليه بدا واضِحًا في ما ورد من مُداخلاتٍ لوزيرات ووزراء خارجيَّة الاتّحاد الأوروبي الذين التقوا في كييف مؤخّرًا على وَقْع صَدْمَة أرتساخ قرة باغ، إذ ثبُت في مضامين ما عبَّروا عَنْه أنَّ احتِرابًا حضاريًّا بات يلوح في أُفُق المواجهة القائِمة.
الإحتِراب الحضاريّ يحمِلُ سماتٍ متعدّدة قد تتظهَّر ترجمتها الأكثر نفورًا في تلك الاقتصاديَّة والعسكريَّة والحدوديَّة الجغرافيَّة حتَّى الآن، لكنْ المُرجَّح أن ينطلِق في الاتّحاد الأوروبيّ تفكيرٌ مُعمَّق في كيفيَّة وَضعِ حدٍّ للخَلَل في الانتِظام العالميّ، أكثر منه الانخِراط في دوَّامة تشييد عمارة نِظامٍ عالميّ جديد على ما يُريدُه بوتين وبعضُ حلفائه، من خلال مجموعة بريكس على سبيل المثال لا الحصر.
في موازاةِ ما سبق تبقى الولايات المتّحدة في مربّع انعِدام وزنٍ قياديّ واضِح المعالم، رَغم استمرار اندِفاعاتِها الاستراتيجيّة التي تحكي أنَّها غير مستعدّة عن التّنازُل عن القيادة العالميّة. إنعِدام الوزن هذا كارثيّ.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الهجرة واللُّجوء على ضفّتي المتوسِّط.. الإهتِزازات الجيو-ديموغرافيَّة | من كوبنهاغن إلى بيروت… فاعليّة الدّيموقراطيَّة وبارانويا المعادلات! | اللّاحلوة بعد اللّابارد: السّيادة المُصادرة! |