أحداث غزّة تؤثّر على سوق العقارات في لبنان: ارتفاع الطلب على الإيجارات في مناطق مقابل تصفية في أخرى
استغلال الأزمة قد بدأ وأسعار إيجارات الشقق ارتفت بشكل جنوني من 300 و400 دولار في الشهر إلى 600 و800 دولار، حتى أن بدل إيجار بعض الشقق المفروشة تخطى الـ 1000 دولار.
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
بدأت آثار الحرب على غزّة تظهر على الاقتصاد اللبناني وتحديداً سوق العقارات في لبنان التي بدأت تشهد تغييراً ملحوظاً في الأسعار لعوامل عدّة. فقد مرّت هذه السوق في السنوات الأربعة الأخيرة أي منذ اندلاع الازمة الاقتصادية بتقلّبات كثيرة، رفعت من أسعار العقارات والشقق تارة وخفّضت من قيمتها طوراً.
فبعد اندلاع الأزمة الاقتصاديّة في العام 2019، اتجه العديد من المواطنين اللبنانيين لشراء العقارات للحفاظ على قيمة أموالهم، فيما انتهز أصحاب العقارات الفرصة للقبض بالشيكات المصرفية وسداد ديونهم. وبعد وقف التعامل بالشيكات خفّ الطلب في سوق العقارات لتشهد تراجعاً في أسعار البيع، فيما أسعار الإيجارات استمرّت بالارتفاع، لاستمرار الطلب الكثيف عليها.
حيث أنّه وفي ظلّ غياب السياسات الإسكانيّة، لم يكن أمام المتزوجين الجدد سوى خيار الاستئجار. وكلّ انهيار جديد لسعر صرف العملة الوطنيّة مقابل الدولار قابله ارتفاع في أسعار الإيجارات وانخفاض في أسعار الشراء. حيث بدأنا نرى بعض الشقق في مناطق نامية، بمواصفات رائعة (مساحة تتخطى الـ 150 متر مربّع، بناء جديد، مفروشة) تباع بـ 50 و90 ألف دولار شرط أن يكون الدفع نقداً.
في المقابل برزت مشاريع سكنيّة تطرح شققها للبيع بدفعة أولى تتراوح بين 15 و25 ألف دولار وتقسيط على 6 أو 10 أو حتى 20 سنة.
إلّا أنّه ومع انطلاق الموسم السياحي الصيفي في لبنان، توقّع أصحاب الشقق والمشاريع السكنيّة، بأن تترجم أعداد السوّاح الوافدين إلى لبنان، وبمعظمهم من المغتربين اللبنانيين، فتنعكس على القطاع العقاري بزيادة الطلب على شراء الشقق، ما جعلهم يرفعون من أسعارها قرابة 20 و30%. إلّا أنّ توقعاتهم لم تصِب، حيث تبيّن أنّ معظم المغتربين آتون إلى لبنان للسياحة والاستجمام فقط.
أسعار العقارات ارتفعت في الموسم الصيفي ولكن لا بيع سجّل
وهذا ما يؤكده الدكتور جورج نور، المتخصّص باقتصاديات العقارات، في حديثه لموقع “هنا لبنان”، مشيراً إلى أنّ “معظم المغتربين اللبنانيين لا يأتون إلى لبنان بهدف شراء الشقق، بل لرؤية أهلهم وأقاربهم، وللسياحة في البلد. ولذلك لم تشهد سوق العقارات في لبنان عمليات شراء في فترة الموسم السياحي”.
ويسأل “فمن يقدر على الشراء اليوم؟ من يملك سيولة نقدية؟ والمغترب الذي يملك النقود في الخارج ليس مضطراً لشراء منزل في لبنان، إلّا إذا أراد القيام بمشروع استثماري والوقت الآن غير ملائم لمشاريع مماثلة. حيث أنّ كل دراسات الجدوى تؤكّد أنّه إذا قام شخص ما ببناء مشروع سكنيّ جديد لن يجد من يمول مشروعه ولا من يشتري”.
وقد يكون بعض المغتربين قد أقدموا على شراء بيوت في القرى، إلّا أنّ عمليات الشراء هذه لا تدخل في الحركة العقارية. فهي عمليّات فرديّة في مناطق بعيدة عن المدينة. والسبب وراء عمليّة الشراء هذه، يعود لفكر تقليدي مرتبط بالعادات، التي تقول بوجوب أن يمتلك الأشخاص قطعة أرض أو منزلاً في قراهم. وهي لا تتعلّق بالفكر الاستثماري في سوق العقارات”.
تأثير أحداث غزّة على قطاع العقارات في لبنان
وعن وضع قطاع العقارات في ظلّ الأحداث الحاليّة يقول “لا يساعد وضع غزّة وحالة الاستنفار العام، على الحديث عن السياسات العقاريّة. ولكننا بدأنا نلمس عودة للطلب على الشقق والمنازل، بعد نزوح أعداد هائلة من الأهالي في الجنوب إلى بيروت. حيث زاد الطلب على المساكن في المناطق التي تعدّ أكثر أماناً نوعاً ما، مقابل تراجع الطلب في المناطق التي تعتبر حسّاسة. حتى أنّ بعض مراكز الاصطياف عادت إلى العمل من جديد، فالمواطنون الهاربون من الوضع الأمني في الجنوب، يستأجرون شاليهات واستديوهات في مناطق الاصطياف. فكل عائلة لبنانيّة تحاول إيجاد خطّة بديلة في حال وقعت الحرب”.
وما يحصل بحسب نور، هو دليل على أنّ “الطلب على العقارات يبقى مستمرًّا، وهو مرتبط بالوضع الأمني ووضع البلد ككل. والنقطة الأساسيّة الثابتة أنّ العمليات كلها قائمة مع أشخاص تمتلك المال نقداً، وهي ليست دورة صحيّة للاقتصاد الذي لا يقوم على “الكاش”، إنما على إمكانية التمويل والتسهيلات المصرفية للإعمار أو البناء، والسوق العقارية ترتكز على موضوع القروض”.
ارتفاع الطلب على الشقق للإيجار
ويضيف “نرى طلباً كبيراً لشقق وأراض وأملاك يعود عرضها للإيجار، أو للبيع، في الأسابيع الثلاث الماضية. ما يعني أنّ هناك هجمة من قبل العارضين في هذه السوق، حيث أنّ الناس تريد أن تصفّي أملاكها وترحل. وهذه الظاهرة لا تنحصر في منطقة واحدة، بل تنتشر في عدّة مناطق. فبعض المواطنين اللبنانيين أخذوا قراراً جدّياً بالهجرة، حيث أن الأفق مسدود على جميع الأصعدة فلم يعد أحد يقول بأنّه يملك خطّة ويريد الاستمرار بالعيش في لبنان”.
وعن القروض السكنيّة بالدولار، التي وعد بها اللبنانيّون يرى نور، أنّ “القرض الكويتي له ظروفه ومعاييره، والمهمّ ليس تأمين القرض بقدر تأمين كيفيّة السداد. ففي ظلّالظروف الأمنيّة الحاليّة والاقتصادية التي يعيشها لبنان، لا يمكن لأحد أن يضمن البقاء في عمله، فإذا أقفلت المؤسسة، أو تمّ طرده من وظيفته لتخفيف الأعباء التشغيلية للشركة، كيف سيتمكّن الفرد من سداد قرضه؟”.
وأكّد أنّه ليس هناك أيّ من مناطق آمنة في لبنان، بل هناك مناطق يعتبرها قاطنوها آمنة. فالأمان نسبي، ولم ننسَ بعد حرب تمّوز 2006، التي تأثّرت بها مناطق كسروان وأعالي الجبال من جهة فقرا. ولذلك وفي حال وقوع أي شيء ستلجأ الناس إلى حلول ثانية، كالانتقال إلى مناطق أخرى، أو الهجرة”.
وتحدّث عن “مشاريع فتح مطارين جديدين وهما مطار القليعات ورينيه معوّض، فإذا نجح ذلك سترتفع حركة الطلب على البيوت والمحلات والمكاتب في المناطق القريبة للمطارات”.
مشاكل القطاع العقاري
وشدّد على “وجود مشكلة عملة وتمويل، فمن يملك “الكاش”، سيستفيد ويتمكّن من تكبير استثماراته وهؤلاء قلّة. فيما من لا يملك هذه الإمكانيات سيبقى على حاله، يعمل كي يحصل على راتبه ويؤمّن مأكله ويعيش”، معتبراً أنّ “أيّ تحليل لسوق العقارات اليوم في هذه الظروف، هو غير مبني على أسس علميّة، ومنطقيّة، إنما هو مرتكز على أولويات الناس التي لا تستطيع الهجرة فتبحث عن منازل للإيجار”.
وسلّط الضوء على إشكاليّة الإيجارات التجارية غير السكنية والتي لا تزال بالليرة اللبنانية وهي تؤثّر بشكل مباشر على إنماء القطاع العقاري. فهناك غبن حاصل بحق المالك واستفادة مطلقة للمستأجر. خصوصاً الإيجارات الموقّعة قبل العام 1992 وما زال أصحابها يرفضون الدفع بغير الليرة. أو تلك الموقّعة باللولار، أي الدولار المصرفي، قبل 17 تشرين، وهذه العقود محصورة بفترة زمنية محددة، على 3 سنوات أو 6″.
وعن الشقق المعروضة للبيع داخل مشاريع سكنيّة، تسمح بالتقسيط على أكثر من 20 سنة، يعلّق “هذه المشاريع بمعظمها مبنيّة على مشاعات تابعة للدولة، وهي غير مرخّصة، وقد تكون نوعيّة البناء خطيرة ولا تتوافق والمعايير المطلوبة. ومثال على ذلك كارثة هبوط المبنى في المنصوريّة”.
وتابع “هناك الكثير من المشاكل المتعلّقة بالتطور العقاري، وهذه المشاكل تتفاقم في أوضاع الحرب حيث يقوم العديد من المواطنين ببيع مشاريعهم ومنازلهم في بعض المناطق والانتقال إلى أخرى. وسنتفاجأ أنّ بعض المناطق التي كانت متعسرة ستشهد حركة عقارية وارتفاعاً بالطلب، مقابل مناطق أخرى ستتراجع الحركة فيها لا بل قد تنعدم”.
وعن أسعار العقارات قال “الأسعار هي أسعار تصفية، فلا أحد يبيع إلّا من هو مضطر، إمّا يريد تصفية مشاريعه في لبنان، والهجرة، أو يريد قضاء مصلحته، أو تأمين أولاده في الخارج، أو سدّ ديونه”.
استغلال الأزمة
وإلى ذلك، وفي جولة لموقع هنا لبنان على أسعار الشقق تبين أنّ استغلال الأزمة قد بدأ وأسعار إيجارات الشقق ارتفت بشكل جنوني من 300 و400 دولار في الشهر إلى 600 و800 دولار، حتى أن بدل إيجار بعض الشقق المفروشة تخطى الـ 1000دولار في بعض المناطق.
فيما يشترط أصحاب هذه الشقق على المستأجرين الدفع من 3 إلى 6 أشهر سلف. والتوقيع على عقود إيجار من سنة إلى ٣ سنوات، مع الطلب من المستأجر دفع تعويض في حال قرر الإخلاء والعودة إلى منزله مع عدم نشوب حرب.