أشجار زيتون الجنوب من عمر لبنان… “قلوبنا احترقت عليها!”
للبنان دوماً نصيبه من الحروب المجاورة، والضحية هذه المرة كان موسم قطاف الزيتون وعصر الزيت الموسمي الذي ينتظره المزارعون اللبنانيون عاماً بعد عام.
كتبت ريتا عبدو لـ “هنا لبنان”:
طالت الغارات الإسرائيليّة العشوائيّة الحارقة مساحات واسعة من أراضي الجنوب اللبناني، ولم تسلم منها أشجار الزيتون المعمّرة والتراثيّة.
ففي لبنان، الذي كالعادة يأخذ نصيبه من الحروب المجاورة، الضحية هذه المرة كان موسم قطاف الزيتون وعصر الزيت الموسمي الذي ينتظره المزارعون اللبنانيون عاماً بعد عام.
المزارعون اللبنانيون في حَيرة وخوف… حياتهم أم قطف الزيتون؟!
نعيمة هاشم سيّدة لبنانيّة من قرية رب ثلاثين الجنوبيّة، اعتادت في هذه الأيام على أن تكون في أحضان بستان الزيتون الخاص بها، تقطف تلمّ وتعصر موسم الخير والبركة، إلّا أنّها هذا العام هجرت منزلها وبستانها وقريتها لتنزح إلى بيروت هاربة من القصف المدمّر.
أما سمير، المزارع السبعيني، فقد أصرّ على عدم ترك أشجار الزيتون المعمّرة التي توارثها من أجداده في منطقة عيتا الشعب الحدودية، واعتبر أنّه من المفروض أن ينجز قطاف الموسم خلال شهر تشرين الأوّل حتى آخر حبّة زيتون متناثرة على التراب، لكن القصف الإسرائيلي منعه من إتمام ذلك في الوقت المحدّد، فمع دوي كلّ صاروخ، يهرب وعمّاله بسرعة نحو مخبأ آمن، تاركين المحصول حتى يهدأ القصف تدريجياً. وقال في حديثه لـ “هنا لبنان” أنّ الاشتباكات اليومية حوّلت مساحات واسعة من بساتين الزيتون إلى رماد أسود.
كارثة بيئيّة مفاعيلها ستمتدّ لأعوام طويلة!
بحسب المعلومات الأخيرة، قامت فرق الإطفاء بإطفاء حوالي 25 حريقاً التهمت 332 ألف متر مربع في القطاع الشرقي، بدءاً من عيتا الشعب، مارون الرأس، يارون، عيترون، بليدا، وصولاً إلى ميس الجبل وحولا ومركبا. علماً أنّ النيران التهمت أحراجاً وبساتين بدون أن تتمكّن فرق الإطفاء من الوصول إليها. وحتى الآن لا تزال الحرائق مشتعلة في أحراج قريبة من الخط الأزرق في القطاعين الغربي والأوسط.
وبالتالي يمكن القول أنّ المنطقة الحدوديّة في جنوب لبنان، تشهد مجزرة بيئيّة كارثيّة، فالجيش الإسرائيلي لا يكفّ عن إطلاق القنابل الحارقة على الأحراج والبساتين، حتى قضت الحرائق على ثلث الأشجار المعمّرة.
إلى ذلك فقد لاقت أشجار الزيتون حتفها، مّما حرم أعداداً كبيرة من المزارعين من إنهاء الموسم بسلام. في هذا السياق، طالب نقيب معاصر الزيتون في جنوب لبنان رياض حرب الجهات المعنيّة، بضرورة العمل للتوصّل إلى هدنة بإشراف قوّات اليونيفيل، لإعطاء المزارعين فرصة لقطف الموسم قبل حلول الشتاء.
في السياق نفسه، كشف وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن في أحاديث سابقة أنّ 45 ألف شجرة زيتون قضي عليها حتى الآن بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة، خاصة بسبب استعمال القنابل الفوسفوريّة المحرّمة دولياً. في المقابل، أجرت لجان مشتركة من وزارة الزراعة بالمشاركة مع جهات عسكريّة مسحاً أولياً للخسائر في القطاع الزراعي في المناطق الحدوديّة الجنوبيّة. كذلك رفعت وزارة الزراعة شكوى عبر مجلس الوزراء، إلى منظمّة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، مع كلّ التفاصيل المطلوبة لحفظ حقّ لبنان واللبنانيين في قضيّة استخدام القنابل الفوسفوريّة الخطيرة، مع طلب المساعدة الفنيّة لفحص التربة وتحديد حجم الأضرار، إضافة إلى دعم المزارعين المتضرّرين بعد احتراق أراضيهم.
الفوسفور الأبيض المحرّم سمّ قاتل للتربة والنظام البيئي!
وفي السياق، أوضح خبير الكيمياء سليم حنّا في مقابلة خاصة لموقع “هنا لبنان” أنّ الفوسفور الأبيض المحرّم دولياً يترك آثاراً خطيرة على الغطاء الحرجي النباتي، بسبب تلويث التربة ومصادر المياه وصحّة الإنسان.
وشرح حنّا أنّ القنبلة الفوسفوريّة هي قنبلة حراريّة مدمّرة، تمنع القوانين الدوليّة استخدامها في المناطق المأهولة بالسكان، وتسمّى أيضاً “القنبلة البيضاء”. ويستخدم هذا النوع من القنابل في الحروب لافتعال حرائق تهدف إلى تطهير المواقع المستهدفة وإضاءة ساحة المعركة ليلاً، لتمييز الأهداف. وأضاف: “للقنبلة الفوسفوريّة تأثير نفسي كبير بسبب شدّة وميضها إضافة إلى الغازات السامة المنبعثة منها. إلى ذلك أوضح حنّا أنّ القنبلة الفوسفورية تتمتّع بقدرة تدميريّة شديدة، كإحداث حرائق كبيرة تمتدّ إلى مئات الهكتارات. من الناحية البيئيّة، تتسبّب القنابل البيضاء بتلويث الماء والتربة والهواء ولها آثار جدّيّة على الصحّة أيضاً.
كما تجدر الإشارة، إلى أنّ قنابل الفوسفور الأبيض يمكن أن تصل إلى المياه القريبة من موقع القصف، لتستقرّ في رواسب الأنهار والبرك، جرّاء مياه الأمطار التي تعمل على سحب المخلّفات الكيميائيّة من تلك القنابل إلى مجارٍ مائيّة قريبة، ما يزيد من فرصة وصول المواد السامة إلى الأسماك التي تعيش في تلك المياه ما سيتسبّب بموتها.
بعد كلّ ذلك، فمن يعوّض على المزارعين رزقهم وأرضهم وأعواماً طويلة من عمر أشجار الزيتون المعمّرة التي حوّلتها القنابل إلى رماد؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
مساحات البناء المرخّصة تراجعت.. فهل يعاود القطاع نشاطه؟ | هاجس انقطاع الأدوية يرافق اللبنانيين… فهل من أزمة جديدة؟ | الإيجارات في لبنان ترتفع بشكل غير مسبوق.. فهل الحرب هي السبب؟ |