التخوين ثقافة الممانعة الدائمة
عندما يعجز العقل عن ممارسة دوره، تلجأ الممانعة إلى التخوين ورمي التهم بالعمالة، والهدف هذه المرة كان مجموعة من الإعلاميين الذين عبّروا عن رفضهم إقحام لبنان في الحرب، فوزّع جيش الحزب الإلكتروني صورهم محاطةً بنجمة داوود، وبسيلٍ من الشتائم والتخوين.
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
إذا كان من المبالغ أن توصف الممانعة وكأنها تمتلك ثقافة جدية، فإنّ الثقافة الوحيدة التي تتميّز بها، هي ثقافة التخوين ورمي التهم بالعمالة، التي لا تلجأ إليها، إلا عندما يعجز العقل عن ممارسة دوره.
منذ أسابيع، ركّز الجيش الإلكتروني لحزب الله، هجوماً مزج بين الشتائم والتخوين والتهديد والاتهام بالعمالة، كلّ ذلك على وقع الحرب في غزة. وقد اختار هذا الجيش مجموعة من الإعلاميين الذين عبّروا عن رفضهم إقحام لبنان في الحرب، فوزع جيش الحزب صورهم محاطة بنجمة داوود، وبسيل من الشتائم والتخوين.
ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها الحزب للتخوين. قصة لقمان سليم وكاتم الصوت، ما تزال ماثلة في الأذهان. قصة جبران تويني الذي ألبس لباس حاخام إسرائيلي، قبل اغتياله لا تنسى. قصص أخرى شبيهة ولا تنتهي، بعضها انتهى بالاغتيال الجسدي، الذي تعرض له من تم تكفيرهم.
يريد حزب الله أبعد من امتلاك الحق باتخاذ القرار عن بلد وشعب بكامله. يريد أن يمنع كل صوت مختلف، وأن يفهمه أن كتم الصوت ينتظره، بالشتائم والتخوين أو بكل الوسائل، ولهذا فإنّ الحملة الجديدة القديمة، لا يمكن أن تُصنّف إلّا ضمن معادلة التهديد للإسكات، على اعتبار أنّ هذه الأصوات التي تمارس الإزعاج، تشوّش على معادلة لم تُطبّق وهي “لا صوت يعلو على صوت المعركة”.
وفي موازاة تحوّل حزب الله إلى قوّة مساندةٍ لحماس، متجاهلاً السقوف العالية التي رسمها بنفسه قبل المعركة، يدير الحزب معركته الإعلامية بقوة تتجاوز بكثير الوقائع الميدانية، التي لا تعطي إلّا صورة عن عمليات محدودة، لا تقدم لحماس أكثر من مجرد تضامن رمزي، فيما هي بحاجة لتطبيق الوعود بإزالة تل أبيب بسبع دقائق، وبفتح جبهة حقيقية أو جبهات، تخفف الضغط الإسرائيلي عن القطاع المحاصر.
من هنا يمكن فهم هذا التوتر العالي، الذي لم يوفّر الإعلام اللبناني ولا العربي، ولم يقتصر على الناشطين اللبنانيين، بل تناول الفلسطينيين أيضاً، فيما هم كانوا ينتظرون المواجهة، فلم ينالوا إلّا المساندة المحدودة النتائج، والمرسمة بالخطوط الحمر الإيرانية.
لم يعد أثر هذه الحملات يقتصر على بعض التوتر في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أحدث وسيحدث شرخاً عميقاً في بنية المجتمع اللبناني، الموسوم بالتعدّد. ستطرح هذه الحملات التي هي التعبير عن مشروع عنيد يهدف لتغيير هوية لبنان وصورته، أسئلة وجودية عند أكثر من فئة لبنانية. سيكون السؤال الأول: هل بات مُجدياً الاستمرار في شراكة، هي أبعد عن كلّ مواصفات الشراكة؟ وهل بات من الضروري والواجب، إعادة النظر بالكثير من القناعات والثوابت، التي تعاقبت أجيال على دفع ثمن الدفاع عنها منذ تأسيس لبنان الكبير وإلى اليوم؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |