ما بين أمل فلسطين وبؤس لبنان
لبنان ينظر إلى المشهد ويحسد فلسطين، لأنه يوجد مشروع لإنقاذها من بؤسها، فيما لبنان لا يجد من ينقذه من جشع طغمة تحالف المال القذر وسلاح الغدر
كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:
هل أُدرج ضمن لائحة الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب حماس بإطلاقهم من السجون الإسرائيلية إسم عميد الأسرى الفتحاوي مروان البرغوثي؟
ومن أدرج اسم البرغوثي على لوائح حماس، ولماذا؟
وهل ستفرج إسرائيل عن البرغوثي، عدوّها التاريخي، ولماذا؟
حماس تدرك جيداً أن لا مستقبل لها في إدارة غزة، كما تدرك إسرائيل جيداً أن لا دور لها في غزة ما بعد الحرب. فهل دفع إدراك السلبيتين حماس وإسرائيل إلى قبول الإفراج عن البرغوثي، الذي تربطه علاقة صداقة متينة بالإصلاحي الحماسي يحيى السنوار ليرتبا معاً تكوين سلطة فلسطينية جديدة لحماية الشعب الفلسطيني من القتل والتهجير والفساد الناتج عن فساد سلطتي فتح وحماس وغطرسة إسرائيل؟
إسرائيل تعرف جيداً المحظورات الدولية الثلاث: لا احتلال دائم لغزة، لا تهجير شامل لأهل غزة، ولا مجزرة تبيد المدنيين في غزة بحجة محاولة إبادة حماس.
وحماس تعرف جيداً الحقائق الميدانية والسياسية التي تمنعها من كامل السيطرة على غزة وبقية فلسطين، ما يعني أن لا دور لها سوى في نزاع عسكري مقيت مكلف مع إسرائيل بدأ الشعب الفلسطيني يتذمر من عبء أكلافه وانعدام عائده باستثناء الزعيق الإعلامي المتغزل بنصر آكل شوك لا يسمن، ولا يعلم تلميذاً، ولا يعالج مريضاً، ولا يغني من جوع.
وحركة فتح، أو ما يعرف “بحزب السلطة” تدرك أيضاً أنّ فساد باروناتها وانعدام إنجازاتها أسقطا تأييدها في أوساط الرأي العام في غزة والضفة الغربية عما كان عليه في زمن تحالف الراحلين ياسر عرفات ومؤسسي حركة حماس الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
لم يعد الطموح لدى الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع هو تحقيق النصر، بل صار الهاجس هو البقاء ووقف الحرب والعيش تحت أي مظلة تقي من القيظ والزمهرير وتوفّر العيش الآمن الكريم، ووجود محطات تلفزة تعرض على شاشاتها برامج لا تقتصر مشاهدها على الحرائق والدمار والجثث.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن قد قالا في مناسبتين منفصلتين إنه يتوجب “توحيد غزّة مع الضفة الغربية” تحت إدارة سلطة فلسطينية “مُعاد تنشيطها” تُنسّق مع إسرائيل.
وتمّ دعم التوجه الأميركي بنتيجة استطلاع للرأي نظمّه الخبير الأبرز في هذا المجال خليل الشقاقي جاء فيه أنّ “66 ٪ من الفلسطينيين في الضفة الغربية يعتبرون السلطة “عبئاً”، ونحو 85 ٪ يريدون استقالة رئيس السلطة محمود عباس،” وهذا يعني أنّ “أكثر من 60 ٪ من قاعدته في فتح يريدون رحيله”، وفق رأي الشقاقي.
وفي هذا السياق يبرز تصرح لأرملة الرئيس عرفات السيدة سهى الطويل رداً على إتهام بعض قادة السلطة لها بالفساد، فردّت بالتهديد بأنها ستفتح “أبواب جهنّم على السلطة الفلسطينية، ويكفي أن أنشر القليل مما أعرفه وسأحرقهم أمام الفلسطينيين، ومن يتهموننا بالفساد لديهم حسابات في بنما والجزر العذراء وهم يعرفون أنفسهم”.
وسط هذه الأجواء برز الحديث عن تضمين قوائم تبادل الأسرى التي تعدها حماس إسم مروان البرغوثي الذي تربطه صداقة متينة وقديمة بالقيادي الإصلاحي الحماسي يحيى السنوار الذي أمضى في السجون الإسرائيلية سنوات مماثلة وله شعبية واسعة وسمعة حسنة ما يلقي كرة النار عند الرئيس محمود عباس الذي لم يعد أحد يدعمه.
فهل سيتمكن الثنائي البرغوثي- السنوار من إطلاق حقبة فلسطينية جديدة تتمتع بتأييد دولي-عربي وعدم ممانعة إسرائيلي وتستجيب لطموحات الشعب الفلسطيني في البقاء والعيش بسلام؟
كان السنوار قد اشتُهر منذ العام 2021 بتصريحاته المناقضة لمواقف حماس والتي تضمنت توجيه التحية لعرفات الذي يتهمه بعض قادة حماس بالخيانة كما قوله إنه “لا يوجد ما يجب أن يمنع موافقة حركة حماس على (هدنة) مع إسرائيل تستمر للجيل الحالي وربما الجيل الذي يليه إذا كان سيترتب على ذلك تحسّن في ظروف حياة الفلسطينيين”.
موقف السنوار يتناقض جذرياً مع مواقف التنظيمات الإسلاموية عموماً، التي لا تعير اهتماماً لحياة الإنسان، بل تقتصر رؤيتها على الدعوة إلى الجهاد في سبيل قضايا تؤمن بها على أن تكون “الشهادة” هي عائد الشعوب.
وكانت إسرائيل قد أطلقت سراح السنوار بعدما أمضى 22 عاماً في سجونها واتّسعت شعبيته بسرعة قياسية على حساب جميع قادة حماس، خصوصاً، إسماعيل هنية، الذي لم يكن موفّقاً في خطبه التي يلقيها من فنادق الدرجة الأولى وملامح الرفاهية والأناقة طاغية على ظهوره.
فهل سيتمكن البرغوثي، ابن الضفة الغربية، والسنوار ابن غزة من إطلاق حقبة فلسطينية جديدة خصوصاً أن تحالفهما تدعمه أميركا، وأوروبا، وغالبية العرب باستثناء 3 دول، ولا تعلن إسرائيل رفضها له، ولا ترحب به وإن على مضض.
سوريا تعارض المشروع الجديد لأن نظامها يعتبره تهديداً لدوره المتمثل بكونه الضابط الوحيد لقواعد اشتباك إسرائيل مع غلافها الشمالي- اللبناني والشمالي الشرقي السوري.
الجزائر لا تؤيد المشروع الجديد انسجاماً مع موقفها التقليدي الذي يرفض أي علاقة مع إسرائيل.
دولة الإمارات العربية المتحدة لا تبدو متحمسة للمشروع وإن من دون معارضة معلنة، ربما لأنه يلغي حظوظ مرشحها الفلسطيني للعب دور قيادي في الحقبة المؤتملة محمد دحلان.
الملفت في المشهد هو أن إسرائيل أفرجت في اليوم الأول من عملية التبادل مع حماس عن ابنة عم مروان البرغوثي حنان البرغوثي الموقوفة إدارياً وهي والدة وشقيقة 6 أسرى فلسطينيين.
والملفت في المشهد أيضاً أنّ البرغوثي والسنوار دعيا في تصريحات منفصلة إلى إجراء انتخابات فلسطينية شاملة، ما يعني إعادة توحيد غزة والضفة تحت رعاية سلطة جديدة.
لبنانياً، الملفت أنّ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي التقى سكان المستوطنات الشمالية وأبلغهم أنّ إعادتهم ستستغرق وقتاً لأنّ الدولة العبرية لا تقبل بعودة الوضع مع لبنان إلى ما كان عليه قبل اندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأول الماضي.
هذا يعني، لبنانياً، أنّ سكان الجنوب الذين أخلوا قراهم على نفقتهم لن يعودوا قبل إعادة مستوطني شمال فلسطين الذين تنفق عيهم الدولة العبرية.
والملفت أيضاً أنه يتم توزيع صورة تجمع البرغوثي والسنوار وهما شابين، وهي على الأرجح غير أصلية بل إنتاج استوديوهات حديثة لتحقيق أحد هدفين: إما للتشويش على المشروع الجديد، أو للترويج له تحت شعار أنّ الإثنين سيعيدان فلسطين إلى زمن علاقة التحالف التي جمعت الراحلين عرفات والشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي.
لبنان ينظر إلى المشهد ويحسد فلسطين، لأنه يوجد مشروع لإنقاذها من بؤسها الذي تسببت به منظومة الفساد وإسرائيل، بغض النظر عن فرص نجاحه أو إخفاقه، فيما لبنان لا يجد من ينقذه من جشع طغمة تحالف المال القذر وسلاح الغدر.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم | فوز ترامب أسقط مهمة هوكشتاين في لبنان |