مسيّرات الحوثيين في البحر الأحمر تساند ميليشيات إيران في لبنان؟
إيران تعزز صراعها الإستنزافي مع العرب بنقل ميادين المواجهة من أرض العرب إلى بحار العرب بإفلات أتباعها الحوثيين في اليمن لتهديد الملاحة البحرية الدولية
كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:
إسرائيل تأمل بإنهاء سيطرة حماس على غزة عبر قتل أو أسر قياداتها، ثم تهجير سكان غزة إلى مصر، والعودة بعد إنهاء حماس الداخل إلى حكم غزة.
بالمقابل القيادة الفارسية- الصفوية في طهران تأمل بتحقيق سيطرة حماس ومعها الجهاد الإسلامي على الضفة الغربية، وتعزيز دورهما وحضورهما في لبنان للتعويض عن خسارتين محتملتين: هزيمة حماس المتوقعة في غزة ونجاح الدولة العراقية في تنظيف الأجهزة الأمنية من عناصر حركة النجباء الإيرانية التي اخترقتها عبر مشاركتها في الحشد الشعبي ما مكّنها من لعب دور في محاولة قصف السفارة الأميركية ببغداد في 8 كانون الأول الجاري.
سيطرة حماس وجهادها على الضفة تهدد الأردن لأنها ستدفع معارضي حماس إلى النزوح إلى المملكة الهاشمية ما يهدد جدياً توازن النسيج الإجتماعي الأردني، كما أنّ وجود حماس المسيطرة في الضفة سيجعلها على أبواب الأقصى ما يهدد وصاية العرش الهاشمي على الأماكن المقدسة، ويفتح باباً لإيران لإدخال معمميها لإمامة المسجد الأقصى ما يمكن أن يعتبر خطوة على الطريق إلى منبر المسجد الحرام في مكة.
تعزيز دور حلفاء إيران السنّة في لبنان تحت مظلة حزب الإحتلال الفارسي سيهدد باستجرار حرب إسرائيلية لدفع مقاتلي الحزب وحلفائه من الجنوب إلى الشمال، ما يشعل أيضاً سلسلة من الحروب الأهلية بين مقاتلي الحزب المنسحبين من الجنوب وسكان المناطق التي سيتخندقون فيها.
وذكرت وكالة رويتر أنّ إسرائيل أبلغت أميركا أنها لا تقبل ببقاء قوات حزب الإحتلال الفارسي في جنوب لبنان على تماسٍّ مع مستوطناتها الشمالية، وتطالب بإتفاقية تضمن إبعادهم بضمانة دولية، وإلا فإنها ستجد نفسها مضطرة لتولي مهمة إبعاد الحزب عسكرياً ودفعه شمالاً.
كما يمكن أن يؤدي تعزيز دور حماس في لبنان إلى إنسحاب إفرادي لكتائب اليونيفل من منطقة عمليات قرار مجلس الأمن الدولي 1701 جنوبي نهر الليطاني، ما يركل لبنان إلى المجهول ليضيع في اللامكان فتتناتش القوى المتنازعة رقعه المبعثرة وتحصل إيران على حصة الأسد نظراً لنجاح خطتها في شراء أتباع من طوائف وشرائح متعددة لقاء تأمين تغطية لفسادهم وحماية مكاسبهم في السلطة القائمة أساساً على التبعية لممثلها في لبنان، أي حزب السلاح الفارسي.
ومن جهتها، تعزز إيران صراعها الإستنزافي مع العرب بنقل ميادين المواجهة من أرض العرب إلى بحار العرب بإفلات أتباعها الحوثيين في اليمن لتهديد الملاحة البحرية الدولية عبر مهاجمة السفن الناقلة لمختلف أنواع البضائع في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج العقبة ما أجبر شركات الشحن على تغيير وجهات البواخر الناقلة والإلتفاف حول المسار الأفريقي على حساب زيادة النفقة، إضافة إلى رفع شركات التأمين الرسوم على الناقلين ما إنعكس إرتفاعا في الأسعار، بدأت تظهر مؤشراته في مصر ولبنان وسوريا والأردن والعراق.
فيما تحاول أميركا تشكيل تحالف متعدد الجنسيات لكبح إعتداءات المسيرات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر الذي تمر عبره 12% من حركة التجارة العالمية، وقد ضم هذا التحالف، حتى الآن، 10 دول هي أميركا وبريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنروج وسيشيل وإسبانيا.
لكن، ما يثير الإنتباه ويجدر التوقف عنده، هو عدم إنضمام دول عربية، بإستثناء البحرين، إلى القوة المتعددة الجنسيات هذه، لا سيما دول الخليج العربية ومصر التي يفترض أنها معنية أساساً بالهجمات الحوثية التي بدأت ضد بواخر إسرائيلية أو متجهة إلى موانئ إسرائيلية ثم إنتشرت لتشمل سفناً لا ترفع العلم الإسرائيلي ولا يشارك إسرائيليون في ملكيتها، ولا تتجه إلى موانئ إسرائيلية ولا تنقل بضائع إسرائيلية، وآخرها استهداف الباخرة “سوان أتلانتيك”، التي تملكها شركة نروجية ولها وكيل تشغيلي في سنغافورة وكانت تنقل شحنة من فرنسا إلى شرق آسيا، وليست لديها أيّ صلة بإسرائيل، لا بالملكية ولا بالتشغيل ولا بالحمولة ولا بالوجهة.
فما هو السبب الخفي الذي أبقى العرب خارج هذا التحالف المتعدد الجنسيات؟
في موازاة هذه الترفع العربي عن المشاركة في القوة المتعددة الجنسيات، يلاحظ أن حوثيي إيران لم يوجهوا نيران مسيّراتهم حتى الآن ضدّ أي سفينة عربية ، ما يؤدي تلقائياً إلى طرح السؤال عن إمكانية وجود توجه عربي غير معلن لعدم إتخاذ العرب موقفاً معادياً لإيران في النزاع البحري بحيث يبقى النزاع بين إسرائيل وأميركا من جهة، وإيران من جهة أخرى.
دبلوماسي عربي متقاعد كان قد تولى مناصب أمنية يوضح أنّ “العرب عموماً لا يثقون ببايدن، كما أنّ مصر وعرب الخليج، باستثناء قطر، لا ينسون أنّ أميركا أيدت حكم الأخوان في مصر ويذكرون جيداً أنّ بايدن في بداية ولايته باع العرب وغازل إيران وأيد الحوثيين، ورفعهم عن لائحة الدول الإرهابية وأمن لإيران ستة مليارات دولار من أموالها كانت محتجزة في كوريا الجنوبية لقاء الإفراج عن خمس رهائن أميركيين، وحصر خلافه مع إيران بالموضوع النووي فقط الذي إعتبر أنه يمكن حله بالتفاوض، ويأتي الآن طالباً حلفاء عرب في الصراع مع حوثيي إيران حول الملاحة الدولية؟
-سألت: ماذا ستعطي إيران العرب لقاء عدم تدخلهم ضدها في حرب الملاحة الدولية؟
-أجاب: “بالنسبة لإيران، العرب هم أعداء تأخذ منهم ولا تعطيهم، وهذه المرة تقول إنها أعطتهم سلفاً لمجرد عدم مهاجمة سفنهم وهم ردوا بعدم الإنضمام إلى القوة المتعددة الجنسيات. الصراع العربي-الإيراني في مياه بحار العرب مجمّد. لكن هذا لا يعني إطلاقاً أنه لن يستمر ويتصاعد في جبهات برية”. وأضاف: “دي مش حرب تسويات ومقايضات. يا تربح، يا تخسر، مفيش حل وسط. أدوات النزاع تتجمع في ما سبق وأطلق عليه جلالة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من 19 سنة إسم الهلال الشيعي، يعني العراق-سوريا-لبنان أي الدول ذات الكثافة السكانية الشيعية التي تتحالف مع نظام الولي الفقيه وتطوق المملكة الهاشمية المسلمة السنية”.
وشدد الدبلوماسي-الأمني على أنّ: “هذه الحرب دخلت مرحلتها النهائية، التي يتوقع أن لا تقلّ عنفاً عما يجري في غزة ولا يتوقع أن تنتهي بتسوية”.
-سألته: يعني سيكون هناك منتصر ومهزوم؟
-أجاب: “أو تقسيم. شعار لا غالب ولا مغلوب بتاعكم هو سبب كل حروبكم لأنه مورس عكس معناه حتى وصل وضعكم إلى صعوبة تحقيق عيش مشترك بين المكونات لأن البلد يدار من قبل منتصر هو إيران ومن معها على حساب المكونات المهزومة”.
ويتفق العديد من المطلعين من دول الخماسية المعنية بالوضع اللبناني على أن إيران حركت ورقة الصراع مع الغرب والعرب عبر مسألة الملاحة الدولية تحديداً لدعم المسار الذي رسمته لحماس والجهاد الإسلامي وحزب الإحتلال الفارسي أو أمثالهم في دول الهلال.
ومن هذه الزاوية ينظر إلى إلغاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته إلى لبنان لتفقد كتيبة بلاده العاملة في اليونيفل لتوفر معلومات لدى باريس، العضو في الخماسية، عن الخطة الإيرانية لإشعال جبهات جنوب لبنان وسوريا والعراق وفق معادلة إشعال جبهات مساندة طوفان غزة ومحاولة فرض قواعد إشتباك جديدة، ولعدم قدرة السلطة اللبنانية على التأثير على طرفي الصراع الحقيقيين: إسرائيل وحزب إيران.
في لبنان، التسوية متعذرة أو متعثرة، لذلك أعاد إعلام محور الممانعة وحليفه جبران باسيل إحياء مسألة الشغور في موقع رئاسة الجمهورية ودس معلومات بأن قائد الجيش العماد جوزاف عون الممدة ولايته سنة هو مرشح لرئاسة الجمهورية فيما شمل توزيع الأدوار قيام الحليف المسيحي الأبرز لحزب الإحتلال الفارسي، النائب جبران باسيل، بشنّ حملة تشويه بسمعة قائد الجيش قوبلت بموجة من الإستياء من قبل مختلف الشرائح.
يذكر أنّ العماد عون كان قد نُقل عنه نفيه الرغبة في الترشح لرئاسة الجمهورية ونفيه عن بحث الموضوع مع أي من الرسميين الذين يلتقيهم، اللبنانيين والأجانب على حد سواء، وقوله “إذا انهارت المؤسسة العسكرية لن تبقى رئاسة جمهورية حتى يتنافسوا عليها. فالجيش هو صمام الأمان للوطن والمؤسسات، ولا أولوية حالياً غير المحافظة عليه وتعزيز مناعته”.
فما هو الدور الذي سيقوم به الجيش بقيادة العماد عون إذا إشتعلت جبهة الجنوب كما تتوقع الدوائر العربية والغربية؟
لا يمكن التكهن بالجواب، لكن من المستبعد أن توكل إلى الجيش مهمة الدفاع عن حزب إيران لأنها تتناقض مع دوره الذي يحدد مهمته بالدفاع عن الحدود والدستور والشعب اللبناني لا الدفاع عن ميليشيات لا تحظى بأي إعتراف دستوري أو قانوني.
قد لا يكون لبنان بحاجة إلى عرّاب تتوافق عليه المنظومة للحفاظ على مكاسبها وإدارة الأزمة لصالحها، لكن البلد فعلاً بحاجة ماسة إلى جيش متماسك بعسكره وقيادته ويحظى بإحترام دولي ليعيد للبنان دوره دولة سيدة حرة مستقلة فعلاً لا قولاً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم | فوز ترامب أسقط مهمة هوكشتاين في لبنان |