بيئة “الحزب” لم تعد حاضنة له… وعبارة “فدا السيّد” غائبة أمام ضحايا ودمار الجنوب
البيئة الحاضنة كفرت و “قرفت” كما كلّ شعب لبنان، وباتت شوارع الضاحية ومناطق البقاع والجنوب تعبّر عن غضبها الشديد من الحرب التي فُرضت عليها
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
أمام سقوط الضحايا ورائحة الموت والدمار الهائل في الجنوب، وأمام الجوع والفقر والبطالة، تختفي الشعارات التي كان يطلقها المناصرون والمؤيدون لحزب الله، لأنّ الوضع الأمنيّ المخيف وإمكانية إتساع الحرب، باتا يشكلان مصدر القلق الأول، فصورة غزة لا تغيب عن عيون اللبنانيين الخائفين من تحوّل لبنان إلى غزة ثانية، ومن التهديدات بإعادته إلى العصر الحجري رغم أنّ الانهيار الاقتصادي أعاد اليلاد عقوداً إلى الوراء، بالتزامن مع الوضع المعيشي الصعب، الذي يعيشه اللبنانيون خصوصاً في المناطق الشعبية، التي تبرز بيئة حزب الله ضمنها كالضاحية والجنوب والبقاع.
في هذه المناطق كانت الشعارات المناصرة للحزب تنتشر حين كان في صلب معاركه مع إسرائيل، وكان الضحايا يسقطون بالعشرات يومياً، والردّ كان دائماً “فدا السيّد”.
البيئة الحاضنة كفرت وقرفت
أما اليوم فلم تعد هذه العبارات تُسمع أو تُقال، لأنّ البيئة الحاضنة كفرت و”قرفت” كما كلّ شعب لبنان، وبات الناس في شوارع الضاحية ومناطق البقاع والجنوب يعبّرون عن غضبهم الشديد من الحرب التي فُرضت عليهم، خصوصاً القرى الحدودية التي تعيش في قلب النيران يومياً، وبات أهاليها لاجئين في بلدهم، حيث يعيشون عند الأقارب والأصدقاء، أو في المناطق الآمنة في العاصمة والمتن وكسروان والشوف وغيرها منذ ثلاثة أشهر، هاربين من بيوتهم التي تتعرّض يومياً للقصف الإسرائيلي، بعد تفرّد حزب الله بقرار الحرب، وكأن لا دولة في لبنان، على الرغم من إعلان المسؤولين عن رفضهم الدخول في تلك الحرب، في ظروف مأساوية وضائقة اقتصادية.
الأمر الذي دفع بحزب الله للإسراع بضبط غضب شارعه، وإجراء مسح للأضرار المادية، لكن ما ذنب الضحايا الذين سقطوا؟
في السياق، ثمة جنوبيون ينتمون إلى الطائفة الشيعية، يتحدثون في مجالسهم الخاصة الضيقة وفق معلومات “هنا لبنان”، عن توقهم إلى التحرّر من قبضة الحزب والاستغلال ضمن تحرّكات ستظهر لاحقاً، لرفض احتكار حزب الله للتمثيل الشيعي، وتوظيفهث في الانخراط في حروب المنطقة باسم إيران، من دون مراعاة تداعيات ذلك على لبنان.
تململ كبير ضمن “جمهور المقاومة”
إلى ذلك، تنقل مصادر شعبية شيعية وجود تحوّلات في مزاج البيئة الحاضنة لحزب الله، رافضة كل ما يجري، بعد أن وُضعوا مجبرين في إطار ضيّق بعيد عن ثقافة الحياة والعيش بسلام، مؤكدين وجود تململ كبير ضمن “جمهور المقاومة”، يعود إلى زمن الحروب المتتالية التي خاضها حزب الله في سوريا، إلى جانب الرئيس بشار الأسد، ودفعت الطائفة الشيعية أثمانها باهظة من البشر والحجر، إضافة إلى حملة العداء التي يشنّها الحزب ضد دول الخليج، والتي أثرت سلباً على الوجود الشيعي في تلك الدول والعالم بشكل خاص، إذ باتوا ضمن خانة بعيدة عنهم ولا تشبههم.
ورأت المصادر المذكورة بأنّ حزب الله بإمكانياته المالية الضخمة، ساهم في تحوّل العمل الحزبي إلى وظيفة منتجة، حتى الجمهور المقرّب من حزب الله، والذي كان يستفيد من خدماته المالية، بات اليوم يعاني من الضياع بعد الخسائر التي مني بها، إذ يرى نفسه مغايراً عن الآخرين، ويبحث عن راحة البال التي يفتقدها.
الإستعانة بالخطاب المذهبي لم تعد تنفع
في موازاة ذلك، لم يعد الوتر المذهبي”يفعل فعله” من قبل حزب الله على البيئة الحاضنة، من خلال ربط الشيعة الموالين بما تقرّره ايران، وبناءً على هذه الاستراتيجية، سبق أن أكّد الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، على بنيوية العلاقة بين الحزب وطهران، وتبعيته الكاملة للوليّ الفقيه ، معلناً “أنّ مال الحزب وسلاحه وعتاده ورواتب المقاتلين تأتي كلها من إيران”، لكن ووفق المراقبين هذه الصورة باتت غائبة عن أرض الواقع، لأنّ ذلك الجمهور يبحث اليوم عن مسار جديد، لا يتوافق مع الرسائل “الجهادية” التي كانوا يفخرون بها في الحروب.
لبنانيون نازحون من كفركلا: دعونا نعيش بسلام
في الختام، وللإضاءة على أحوال بعض الجنوبيين النازحين، من بلدة كفركلا نحو العاصمة بيروت، تحدث بعضهم لموقع “هنا لبنان” عن أوضاعهم المستجدة، فأشاروا إلى رفضهم الكلي للحرب، وقالوا: “لم علينا أن ندفع الأثمان دائماً، ونكون مشتتين في أرضنا وهاربين من المدافع والصواريخ؟ وضعنا جنى العمر في بناء منازلنا، وكل فترة نعيد الترميم أو البناء من جديد، ألا يحق لنا أن نعيش كغيرنا”؟
وبعضهم اعتبر “بأنّ حقبة البيئة الحاضنة لحزب الله لم تعد موجودة بل غائبة ومنسية، لأنّ الكيل طفح ونريد أن نعيش ما تبقى لنا من عمر بسلام وطمأنينة، وعليهم أن يفهموا أننا شعب معطاء محب للحياة، ورافض للموت المفروض علينا”.