“السيد” يشكر ميقاتي
ليس مهماً أن يشكر نصر الله ميقاتي أو لا يشكره، المهم أنّ لبنان لم ولن يشكر ميقاتي أو سواه على هذه المواقف المتهورة، فعند حديثه عن “المبادئ والعروبة” نسيَ لبنان الذي يجب أن يكون أولاً وأخيراً
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
لم يكن الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، مضطراً أمس أن يبذل جهداً في إقناع اللبنانيين في صوابية استمراره في فتح جبهة القتال على الحدود الجنوبية. فرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أراحه على هذا الصعيد في المواقف التي أعلنها خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء. وهكذا أتت كلمة نصرالله في حفل تأبين قيادي “الحزب” وسام الطويل، لتكمل ما قاله ميقاتي: “وقف إطلاق نار جدي في لبنان بالتوزاي مع وقف إطلاق النار في غزة”.
ما قاله ميقاتي يوم الجمعة الماضي، قاله نصرالله ولا يزال منذ 8 تشرين الأول الماضي. لكن مشكلة نصرالله هو أنه ليس مخوّلاً أن يتخذ قرار الحرب والسلم لفقدانه الصفة الرسمية. إلى أن جاء ميقاتي ليرفع راية “المبادئ والعروبة” على حد تعبيره فيعلن منفرداً ما ليس له حق في إعلانه لكونه رئيس حكومة تصرّف الأعمال، وبالتالي ليس من صلاحياته اتخاذ مواقف خطيرة لم يسبقه إلى مثلها إلا الرئيس السابق ميشال عون.
حتى إعداد هذا المقال، لم يصدر توضيح لهذا الموقف الميقاتي. فهو لم يكن موفقاً حتى في التوقيت، لأنه جاء مباشرة بعد زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت حاملاً تصوراً لإبعاد شبح الحرب عن لبنان. وكان أجدر برئيس الحكومة أن يتلقف هذا التصور والذي يتضمن رفع عديد الجيش اللبناني الذي سيساهم في تطبيق القرار 1701 في الجنوب.
من أخطر ما يواجهه لبنان في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة، أنه أصبح تماماً وسط العاصفة التي بدأت في حرب غزة قبل أكثر من 3 أشهر. وها هي النيران تندلع في البحر الأحمر بعدما شبّت في البحر الأبيض. ومن استمع أمس إلى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، يقول إنّ “حزب الله قد يحوّل لبنان كله إلى منطقة قتال وهذا سيكون له ثمن باهظ”، يدرك ما ينتظرنا في أي وقت من الأوقات. وفي ذاكرة اللبنانيين ما حل بوطنهم في الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وانتهى إلى خسائر ودمار هائلين لا يزال الجيل الذي رافقه يرويها للأجيال اللاحقة. وكان شعار الاجتياح إخراج ياسر عرفات ومعه كل التنظيمات الفلسطينية المسلحة من لبنان. وقد تحقق للغزاة الإسرائيليين ما أرادوا.
هناك مسألة جوهرية يجب فتح المناقشة فيها عاجلاً. وهي تتمحور حول فكرة أنّ “حزب الله” هو تنظيم لبناني. ولا يمكن مقارنته بـ “منظمة التحرير الفلسطينية” التي كان يترأسها عرفات. فـ”الحزب” لبناني ليس له من مكان إلا لبنان. أما “المنظمة” فهي فلسطينية، ليس لها من مكان في لبنان. هذه المقارنة صحيحة تماماً. لكن صحتها قد لا تدوم طويلاً إذا غرقت المنطقة في طوفان الفوضى العارمة. وأقرب نموذج إلى لبنان، والذي يقلب هذه المقارنة رأساً على عقب، هي غزة نفسها. ومن يتابع ما آلت إليه الأمور في القطاع الفلسطيني يدرك أنّ خطر “الترانسفير” هو جدي. وإذا كان هناك من رفض عربي ودولي لترحيل سكان غزة، هناك ما يشبه الإجماع على ترحيل قادة “حماس” كي تنتهي الرحب هناك.
من استمع أمس إلى نصرالله، لم يجد أنّ هناك إشارة لا من قريب أو بعيد إلى مآل قيادة “حماس” في غزة عندما سيحين وقت انتهاء الحرب في القطاع. إلّا أنّ تجاهل الأمين العام لـ”الحزب” لهذا الاحتمال لا ينفي وجوده في قلب المساعي الجارية لوقف الحرب هناك. أما في لبنان الذي يقف على مشارف الاحتمالات الخطرة فيجب التبصر مبكراً في السبل التي توفر عليه دفع أثمان، دفع امثالها في نصف قرن سابق.
على سيرة الأبعاد، الأمر لا يتصل بـ”القادة”، وإنما يرتبط بالسكان سواء في غزة أو في جنوب لبنان أو في شمال إسرائيل. كما يبدو متهوراً على الصعيد اللبناني أن يتباهى “حزب الله” في نجاحه في إجبار عشرات الألوف من الإسرائيليين على النزوح من مستوطنات الشمال، علماً أنّ هناك مثل هذا العدد أو أكثر غادروا بلداتهم وقراهم على امتداد اكثر من 100 كيلومتر من الناقورة ساحلاً إلى مرتفعات شبعا جبلاً. ففي إسرائيل، تحوّل نزوح السكان من مستوطناتهم على الحدود مع لبنان إلى كرة نار في الدولة العبرية. وهذا ما أشار إليه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السبت الماضي بقوله: “إننا ملتزمون بتغيير الأوضاع الأمنية بشكل يسمح بعودة السكان بشكل آمن تمامًا”.
ليس مهماً أن يشكر نصرالله ميقاتي أو لا يشكره، ما هو مهم أنّ لبنان لم ولن يشكر ميقاتي أو سواه على هذه المواقف المتهورة، فعندما تحدث الأخير عن “المبادئ والعروبة” نسيَ لبنان الذي يجب أن يكون أولاً وأخيراً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |