هاتف باسيل لا يرنّ في الضاحية
يبدو أن “الحزب” اليوم لا يرى أنّ هناك حاجة لعقد تفاهم جديد مع الفريق نفسه، قبل حرب وشيكة مع إسرائيل. والسبب انّ التيار الوطني الحر لم يعد يُحسَب له حساب على المستوى المسيحي كي يمنحه غطاءً إذا وقعت الواقعة مجدداً
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
في حديثه الصحافي الأخير، قال رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أنّ “التواصل مع “حزب الله” محدود. متقطّع”. لكن باسيل يصفه بأنه “غير مقطوع لكنّه غير حام”. وكل هذه النعوت التي استخدمها باسيل تعني امراً واحداً: أن “الحزب” ليس على السمع. أو بتعبير من عالم الخليوي: إن اتصال باسيل بالضاحية الجنوبية لبيروت ينتهي إلى “Missed call”.
لا تعني هذه الحال التي يشكو منها رئيس “التيار”، أن حليفه منذ أيام المؤسس، الجنرال ميشال عون، أصبح يعتبر ورقة باسيل لاغية ولزوم ما لا يلزم. لكنه، أي “الحزب” في الوقت الحاضر، ليس في حالة ترف من الوقت كي يقف على خاطر جبران، كلما شكى الأخير من التجاهل الذي يمارسه الشريك في تفاهم مار مخايل. وللمناسبة، فإنّ هذا التفاهم الذي أبصر النور في شباط عام 2006، أتى قبل نحو 6 أشهر من حرب تموز في ذلك العام. أما اليوم، فلا يبدو أن “حزب الله” يرى أنّ هناك حاجة لعقد تفاهم جديد مع الفريق نفسه، قبل حرب وشيكة مع إسرائيل. والسبب أنّ “التيار الوطني الحر” لم يعد يحسب له حساب على المستوى المسيحي كي يمنح “الحزب” غطاءً إذا وقعت الواقعة مجدداً. فـ “التيار” بالكاد يستطيع تغطية نفسه، كما حصل الشهر الماضي عندما جرى تجاهله كلياً عندما مدد مجلس النواب ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون، بالرغم من معارضة الرابية وميرنا الشالوحي وسائر الأطيان “التيارية” لقائد الجيش.
في أي حال، إنّ من يريد أن يقارن بين رئيس “التيار” اليوم ومؤسسه ميشال عون قبل 18 عاماً، عليه أن يعود إلى المعلومات التي أوردها المحامي كريم بقرادوني في كتابه “صدمة وصمود”. وهذا الكتاب صدر ليروي “عهد الرئيس إميل لحود 1998-2007”. لكنه قال الكثير حول عودة الجنرال ميشال عون من منفاه الباريسي عام 2005 إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من ذلك العام. ولا ضير في أن تتكرر العودة إلى هذا الكتاب لمعرفة حجم الصفقة التي عقدها الجنرال مع “الحزب” كي يعود إلى لبنان. ومن أهم بنودها أنّ عون وافق على الانتقال من ضفة معارضة سلاح “الحزب” إلى ضفة تأييده. ومن محضر لقاء بقرادوني مع الأمين العام حسن نصرالله عشية عودة عون إلى لبنان، كما ورد في الصفحة 374 من الكتاب، جاء فيه: “قال لي الأمين العام أنا موافق (على عودة الجنرال). لكن لا أريد أن يطّلع أحد على هذا الأمر، حتى نتجنّب الحساسيات عندكم وعندنا”.
ما أراده نصرالله من ميشال عون قبل 19 عاماً، تكرّس رسمياً في تفاهم مار مخايل عام 2006. وقتذاك كان نصرالله يتطلع إلى غطاء مسيحي بعد انتهاء زمن الوصاية السورية عام 2005. وأتت عودة ميشال عون في العام نفسه إلى الوطن بمثابة غب الطلب. وكم كانت الأوهام كبيرة في ذلك العام، عندما تم تصوير الجنرال العائد على أنه قادم على صهوة تحرر لبنان من الهيمنة السورية، ليتبيّن سريعاً أنه راجع وفق دفتر شروط هيمنة إيرانية.
اليوم، بعد كل هذا الزمن، لم يعد يعني “الحزب” تأييد “التيار” لسلاحه أو عدم تأييده. فما يهمه اليوم أن يتوفر له غطاء جديد كي يمضي إلى مغامرة توريط لبنان في لعبة الأمم والتي هي اليوم أشد وأدهى بما لا يقاس بحرب عام 2006.
أما لماذا لم يعد باسيل ومن يمثل الغطاء المطلوب لـ “الحزب” ، فالجواب ببساطة يكمن في أن “التيار” لم يعد صاحب قرار في السلطة بعدما أصبح مؤسسه رئيساً سابقاً للجمهورية. كما أن وزن “التيار” في البرلمان أصبح ثانوياً مقارنة بحجم “القوات اللبنانية”. ناهيك عن أنّ المجتمع المسيحي الذي يجب أن يكون بيئة “التيار” الحاضنة، صار بوضوح بيئة كارهة لـ”التيار” الذي باع سيادة لبنان بأقل من ثلاثين من التومان الإيراني.
وإذا كان هناك من يسأل: من يمثل الغطاء الذي يتطلع إليه “حزب الله” اليوم ليكون بديلاً من غطاء “التيار”؟ الجواب هو بلا تردّد يكمن في موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي غطى ولا يزال قرار نصرالله فتح جبهة الجنوب في 8 تشرين الأول الماضي. وهذا القرار أثار سخطاً عارماً لبنانياً وخارجياً بسبب ربطه لبنان بحرب غزة. وقد نال ميقاتي ولا يزال المديح في وسائل إعلام “الحزب” على موقفه هذا، ما جعل حاجة “الحزب” إلى “التيار” في خبر كان.
فهل هناك من حاجة إلى مزيد من الشرح، لماذا لا يرنّ هاتف باسيل هذه الأيام في الضاحية؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |