فساد إدارات الدولة يستشري: “الإكرامية على عينك يا مراقب”!
على ما يبدو عاد مبدأ الفساد بين الموظفين الحكوميين وبقوة، ولكي تنجز معاملتك أو تسرّع إنجازها ما عليك إلا دفع “الإكرامية” للموظف والأنكى من ذلك أن كل التجاوزات تحصل وعلى “عينك يا مراقب”.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
لم تكن حملة التوقيفات التي نفذتها شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي على الفاسدين في معظم الإدارات العامة “عبرة لمن اعتبر”، وعلى ما يبدو عاد مبدأ الفساد بين الموظفين الحكوميين وبقوة، ولكي تنجز معاملتك أو تسرّع إنجازها ما عليك إلا دفع “الإكرامية” للموظف والأنكى من ذلك أن كل التجاوزات تحصل وعلى “عينك يا مراقب”.
ويحتل لبنان المرتبة 143 من أصل 180 دولة بحسب مؤشر مدركات الفساد، وقد ساعدت مرحلة الانهيارات في إيصاله إلى مراتب متقدمة على لوائح الدول الأكثر فساداً في العالم.
ويروي جلال (طالب ماجستير في إحدى الجامعات في بلجيكا)” لـ”هنا لبنان” أنه دفع مبلغ مليون ومئتي ألف ليرة لإحدى السماسرة المتواجدين في وزارة الخارجية مقابل حصوله على الطوابع المطلوبة لتصديق شهادته علماً أن ثمن الطابع يتراوح بين 50 ألف و100 ألف ليرة.
كذلك الحال بالنسبة لإخراجات القيد التي باتت تتطلب “معاملة” من أجل الحصول عليها، وتقول أمل أنها دفعت مليون ليرة مقابل حصولها على إخراج قيد لابنتها لتقديمه للمدرسة، ولما سألت المختار عن ارتفاع كلفته، أجابها: “بدنا نأمّن الطوابع من السمسار ونسرع المعاملة بالأحوال الشخصية”.
والتجار أيضاً لم يسلموا من تجاوزارت موظفي الإدارات العامة وهو أمر معتاد بالنسبة لهم ولكن ما هو جديد زيادة المبالغ المطلوبة وإصرار الموظفين على تقاضيها بالفريش دولار. ويقول أبو أحمد تاجر ملابس رياضية ويستورد بضائعه من الخارج أنه اضطر لدفع 500 دولار مقابل الإفراج عن بضاعته من المرفأ بعد أن تعرض لمضايقات موظفي الجمارك الذين أوهموه بأن “البضاعة، ضاعت” على حد قوله.
وفي عقارية بيروت يجد المواطن نفسه مضطراً لدفع مئات الدولارات مقابل تمرير المعاملات، ويقول محمد لـ “هنا لبنان” أنه دفع 400 دولار مقابل حصوله على السند الأخضر لمنزله ولأنه يريد بيعه رضخ للأمر الواقع، أما طوني فقد كلّفه إنجاز معاملة تسجيل منزل 1300 دولار وهو مبلغ أصبح شبه معتمد في عقارية بيروت.
أما بالنسبة للفضيحة الأكبر فهي في وزارة الصناعة حيث يقوم الوزير ببيع التراخيص المخالفة لأصحاب المصانع والمنشآت بآلاف الدولارات بحسب مراقبين، وقد علم “هنا لبنان” أن صاحب إحدى المصانع دفع مبلغ 10 آلاف دولار لإحدى الأشخاص في وزارة الصناعة مقابل حصوله على ترخيص لمصنع يريد إنشائه في منطقة لا تستوفي الشروط التي يجب أن يتواجد فيها.
من جهته، يقول المحامي علي عباس من المرصد الشعبي لمكافحة الفساد لـ “هنا لبنان”: إن أزمة فقدان الطوابع في لبنان ساعدت على استغلال الناس بشكل أكبر فعدم ضخ الطوابع بأعداد كبيرة في السوق فتح الطريق أمام السماسرة وتجار السوق السوداء لابتزاز المواطنين ودفعهم إلى شراء الطوابع بأسعار مرتفعة بسبب فقدانها من دوائر الدولة”.
ويضيف: “على ما يبدو أن فقدان الطوابع أمر مقصود من قبل وزارة المالية والدولة تمهيداً لرفع الرسوم كي يتقبل المواطن الأسعار الجديدة عندما يتم رفعها”.
ويتابع عباس: “إغلاق الإدارات العامة وفتحها مرة أو مرتين أسبوعياً ساعد أيضاً في زيادة طلب الرشاوى، خصوصاً وأن المعاملات أصبحت مكدسة بالمئات وبات إنجازها يتطلب وقتاً وجهداً أكبر أما إذا حضر المال، فيمرر السمسار أو الموظف المعاملة بسهولة”.
ويلفت إلى أن “تسعيرة الرشاوى أصبحت تتراوح بين 20 إلى 100 دولار بالنسبة للمعاملات البسيطة أما المعاملات “الدسمة” فتصل إلى مئات وآلاف الدولارات”.
ويقول عباس” في كل إدارة عامة في لبنان هناك ما يسمى بالخط العسكري وهو الخط الذي يتيح للمواطن الوصول إلى الموظف مباشرة لتمرير “العمولة” ومن ثم إنجاز المعاملة بسرعة، وتتفاوت الأسعار بين دائرة ودائرة وبين منطقة وأخرى بحسب ضغط العمل وحجم المعاملات المتراكمة”.
كما ويلفت إلى “ظاهرة شركات الأموال الخاصة التي يمكن إنجاز المعاملات من خلالها وهي شركات تحصل أموالاً غير مستحقة بالملايين من جيوب المواطنيين وتمارس السرقة المقوننة”.
ويختم عباس: “كل هذه التجاوزات والمخالفات تحصل في ظل وجود المراقبين ما يعزز ظاهرة الفساد الإداري ويقضي على هيبة الدولة”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |