المعتقلون اللبنانيون في السجون السورية: أملٌ مفقود أم فرجٌ قريب؟
بين جدران السجون، في حال كانوا أحياء، تتصارع أحلامهم بالحرية مع واقع المعاناة والظلم.. فقد تم اعتقالهم وسجنهم بتهم مقاومة المحتل وجرى إخفاؤهم داخل أروقة الظلام، وبقي مصيرهم محل تساؤل وقلق مستمر، كأنهم باتوا مجرد علامة استفهام لا جواب لها.
كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان”:
في أعماق السجون السورية، تتجلى قصص المعتقلين اللبنانيين كألغاز تنتظر الكشف عن حلولها، حيث يعيشون في ظلام معتم، يختبئ خلفه مصيرهم المجهول. بين جدران السجون، في حال كانوا ما زالوا أحياء، تعتريهم حالة من عدم اليقين والانتظار المرير، حيث تتصارع أحلامهم بالحرية مع واقع المعاناة والظلم.. فقد تم اعتقالهم وسجنهم بتهم مقاومة المحتل وجرى إخفاؤهم داخل أروقة الظلام، دون إمكانية الاتصال بعوائلهم، فبقي مصيرهم محلّ تساؤل وقلق مستمر، كأنهم باتوا مجرد علامة استفهام لا جواب لها.
في هذا الجو المشحون بالغموض والترقب، تسعى بعض القوى السياسية والجمعيات جاهدة للكشف عن مصيرهم، وللضغط لضمان الإفراج الفوري عنهم أحياء كانوا أم أموات.
أبي اللمع: الموضوع يتمتع بالاهتمام اللازم
وفي هذا الإطار، قال عضو الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، ماجد إدي أبي اللمع في حديث لـ “هنا لبنان”: “أفادت بعض التصريحات مؤخراً أنّ هناك أشخاصاً كانوا حاضرين خلال تلك الفترة ويعلمون بوجود معتقلين لبنانيين في السجون السورية. وبناءً على ما قالوه والمعلومات التي توصلنا إليها، تأكدنا من صحة هذه البيانات، وعليه قدمنا تقريراً بهذا الخصوص لمناقشة الوضع واتخاذ الإجراءات اللازمة لإنقاذ هؤلاء المعتقلين”.
وأضاف: “لقد ألقينا الضوء على هذا الموضوع، ولا شك أن هناك جهات أخرى قد تناولته كما فعلنا. وبما أنه تم وضعه على الطاولة، فإنّ هذا يعني أنه يتمتع بالاهتمام اللازم لتوضيح الوضع واتخاذ الإجراءات اللازمة.
محفوض: هناك فرصة للتقدم في قضية المعتقلين
ومن جهته، اعتبر رئيس حركة التغيير المحامي إيلي محفوض أنّ “الدولة اللبنانية لم تكن متعاونة يوماً بشكل جدي في موضوع وقضية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، حتى الدولة التي كانت حليفة لبشار الأسد في لبنان، تلك التي كان يسيطر عليها النظام السوري”.
وأضاف محفوض في حديثه لـ “هنا لبنان”: “إذا كنا نريد أن نلقي اللوم، فاللوم يجب أن يوجه إلى الأشخاص الذين من المفترض أن يتولوا هذه القضية. منذ البداية، كان هؤلاء الأشخاص قادرين على التصدي لهذه القضية وتحقيق تقدم فيها، ولكنهم استفادوا من مناصبهم ومكاسبهم وسلطتهم، لتجاهل هذه القضية الإنسانية. لهذا، أقول إن دور الحكومة اللبنانية كان معدوماً تماماً في هذا الملف، ولكن ما قمنا به وما كشفناه مؤخراً سيضغط على هذه الدولة للتحرك، لأننا سنلجأ إلى المرجعيات الدولية. ولا بد من التأكيد أن القضاء اللبناني أصبح شريكاً في هذا الملف، حيث قمنا برفقة القوات اللبنانية الممثلة بالنائب ماجد إدي أبي اللمع بتقديم شكوى ضد بشار الأسد ونظامه بتهمة خطف واختفاء لبنانيين في السجون السورية”.
وبالنسبة للتعاون مع النظام السوري قال: “لا يمكن التعاون مع “الجلاد”، وكأنك تقول للضحية “تعاوني مع الجلاد لتشوفي شو بده يعملك”. وبالطبع، لا يمكن وصف التفاهم مع هذا النظام بأنه تعاون، لأن النظام يرفض حتى الآن الاعتراف بوجود لبنانيين في سجونه”. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا النظام هو نفسه الذي زاد من أعداد المعتقلين في سجونه، وأشار محفوض إلى وجود معتقلين من جنسيات أخرى أيضاً، إذ تؤكد التقارير أنّ عدد المعتقلين في السجون السورية يتجاوز 200 ألف شخص، بمن فيهم لبنانيون وسوريون وفلسطينيون وأشخاص من جنسيات أخرى، معتبراً أنه إذا تحركت الدولة اللبنانية أو أبدت اهتماماً بالملف، كان من المفترض أن تتواصل مع الطرف الآخر.
وذكّر محفوض أنّ الرئيس السابق ميشال عون، عندما زار سوريا، أكد للناس أنه لا يوجد معتقلين في السجون السورية، وذهبت أقواله إلى أبعد من ذلك، حيث طلب من اللبنانيين أن يعتذروا من السوريين!
أما بالنسبة للضغط على النظام السوري، فقال محفوض: “صدر قرار أممي بشأن المحتجزين، ونجحت الجهود اللبنانية، بما في ذلك النواب اللبنانيون الذين بادروا بجهودهم من خلال دعم المبادرات التي قامت بها جمعية المعتقلين المحررين من السجون السورية لتعديل هذا القرار وتوسيع نطاقه ليشمل اللبنانيين أيضاً. هذا يعني أنه لم يكن هناك تمييز بين الجنسيات، ولم يتعلق الأمر بالتوقيت، لأن القرار السابق صدر بعد عام 2011، واليوم هناك قرار يشجع على جمع المعلومات حول تواجد اللبنانيين في السجون السورية. تم عقد مؤتمر في باريس خلال فترة تقريبية منذ 15 يوماً، شاركت فيه العديد من الأطراف بما في ذلك الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية وحزب حركة التغيير وجمعية المعتقلين اللبنانيين المحررين من السجون السورية. وبعد شهر من المؤتمر، هناك جهود لتقديم دعوات وشكاوى أمام القضاء الأوروبي ضد بشار الأسد بسبب احتجاز اللبنانيين في سجونه، بالإضافة إلى التعاون مع منظمات دولية مثل الصليب الأحمر الدولي وغيرها”. مشيراً إلى أنَّ “هناك معلومات تشير إلى أنّ بشار الأسد يضع المحتجزين في القرى والبلدات الموالية له، بمعنى أنها تخلو من التواجد الإيراني والروسي والميليشيات الأخرى، وهذا يتطلب التحقق من هذه المعلومات”.
وشدد محفوض أنه “في السياق الحالي، يُعتبر الأمر الأكثر أهمية هو تمكننا مؤخراً من تأكيد وجود لبنانيين في السجون السورية للرأي العام اللبناني والعالمي، وذلك من خلال شهادات شخصية لأشخاص سبق وأن كانوا معتقلين في الأعوام 2004، 2008، 2011، و 2014. هؤلاء الشهود أكدوا على التقائهم بلبنانيين آخرين هناك بالصدفة. هناك شهادات موثقة تثبت هذا الأمر، وسنستفيد منها لتعزيز الإدانة وللتأكيد على أن هناك لبنانيين محتجزين في السجون السورية. بالطبع، هناك فرصة للتقدم بشكوى بهذا الشأن خلال الفترة القادمة، ولكن من الصعب تحديد المدة المطلوبة لذلك، خاصة أننا نتعامل مع نظام توتاليتاري، وهذا يُعتبر تحدياً إضافياً نظراً لتاريخ النظام في استخدام أساليب قمعية وتعذيبية واعتقال المعارضين”.
أبو دهن: المطلب من السوريين ليس فقط إطلاق سراح المعتقلين
وفي سياق متصل، قال رئيس جمعية المعتقلين في السجون السورية، علي أبو دهن لـ”هنا لبنان”: “مصير هذه القضية معلق بالدولة اللبنانية أساساً، وطالما أن الدولة اللبنانية تغيب عن هذا المشروع، اضطررنا نحن أن نتولى مسؤوليته، باعتبار أن هذا الموضوع إنساني ويستدعي تدخل كل الخيرين بعقلهم ووطنيتهم. لهذا السبب، نعمل معاً لحماية هذه القضية الإنسانية من محاولات السياسيين الحاليين لدفنها”.
وأضاف: “اليوم، ينبغي على وزير الخارجية ووزير الداخلية ووزير العدل، بالإضافة إلى وزير الدفاع، أن يتحركوا، لأنهم يملكون الأرشيف الأساسي، ولكن طالما أن الموضوع متعلق بالسياسة، وجميع الوزارات المذكورة من نفس الصنف، ولا يرغبون في التحرك، اضطررنا للتحرك على الصعيدين اللبناني والدولي”.
مَشيراً إلى أنه “لا يمكننا أن ندعي موت أحد من المعتقلين غيابياً، نحن نرغب باستعادة جثامينهم ودفنهم بكرامة، واستعادة الناجين منهم وعلى السلطات السورية أن تكشف مكان المعتقلين، وهي ملزمة بذلك”.
وقال: “النظام السوري احتل البلد، ودخل إلى لبنان دون طلب، ولديه مشروع لتنفيذه. دمر الاقتصاد والبنية التحتية، وهجر السكان. لذا فالمطلب من السوريين ليس فقط إطلاق سراح المعتقلين، بل التعويض للمتضررين والمفقودين وأسرهم. ونحن قمنا بعدة محاولات للتوصل إلى حل، ونحن مستمرون في التواصل مع الأمم المتحدة والهيئة التي تشكلت لهذا الغرض. ونأمل في أن يتم إيجاد حل في أقرب وقت ممكن”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
إرث لبنان المهدد بين نيران الصراع وصمت العالم | سياحة على وقع الحرب ضربات متتالية على الرأس | لبنانيو أميركا: لوبي مؤثر تنتظره مهمة انقاذ |