الراعي يخوض تحدي تطوير النظام
تعتبر بكركي أنّ على لبنان أن يصبح دولة “مدنية حيادية لامركزية” تأخذ على عاتقها السعي إلى حل الشغور الرئاسي الذي يعطل الدولة منذ أكثر من سنة كما حصل قبل عشر سنوات عندما فرض “الحزب” ميشال عون رئيساً للجمهورية
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
لا يزال البطريرك الماروني بشارة الراعي متشبثاً بموقفه لجهة التزام لبنان الحياد وعدم الغوص في الصراعات أو الانحياز إلى محور من المحاور الإقليمية. وانطلاقاً من هذا النهج تعتبر بكركي أنّ على لبنان كي يتمكن من اتّباع هذه السياسة أن يصبح دولة “مدنية حيادية لامركزية” تأخذ على عاتقها بحسب الوثيقة التي تبنتها بكركي أن تسعى إلى حلّ الشغور الرئاسي الذي يعطل الدولة منذ أكثر من سنة كما حصل قبل عشر سنوات عندما فرض “حزب الله” عام ٢٠١٦ ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد أن مارس تهريب النصاب الدستوري لمدة سنتين ونصف السنة. يومها لم يكن موقف بكركي حاسماً لأنّ الراعي كان قد حصر حق الترشيح بأربعة موارنة هم عون وأمين الجميل وسمير جعجع وسليمان فرنجية ممهداً الطريق أمام احتمال انتخاب عون. فهل موقفه الواضح والحاسم اليوم هو نوع من فعل ندامة يهدف إلى قطع الطريق على محاولات جبران باسيل الذي يعتبر نفسه الوريث الشرعي لعمه؟ أم أنّ السياسة الفئوية التي يتبعها “حزب الله” والضغط الذي يمارسه داخلياً وإقليمياً عبر تنفيذ ما تريده إيران بدفع البطريرك الماروني إلى العودة إلى ثوابت بكركي واتّباع النهج الذي كان يتبعه سلفه الراحل نصرالله صفير بطريرك الاستقلال الثاني الذي أطلق نداءه الشهير من أجل خروج الجيش السوري من لبنان عام ٢٠٠٠ والحزم الذي التزمه في مواجهة سلاح “حزب الله”، وهو الموقف الذي مكّن حركة ١٤ آذار من الفوز في انتخابات ٢٠٠٩.
يبدو أنّ الراعي مقتنع أنّ سلوك هذا الطريق يتطلب إصلاحات دستورية وإدارية على بنية النظام القائم تبدأ بتعديلات تطال موقع الرئاسة ودورها وتحقيق اللامركزية الإدارية والإنمائية الموسعة عبر خلق المجالس المحلية وتوسيع تمثيلها وصلاحياتها الإدارية والمالية. وقد أوكل مهمة صياغة هذه الإصلاحات والاقتراحات إلى لقاء “الهوية والسيادة” الذي يرأسه الوزير السابق يوسف سلامه والذي جال وفد منه على الأحزاب السياسية والكتل النيابية لإطلاعهم على الأفكار والتعديلات التي ستتم مناقشتها في اللقاء الذي سيعقد في الصرح البطريركي في ٢٩ شباط المقبل والذي ستشارك فيه مختلف القوى والكتل النيابية، وتحديداً الأطراف المسيحية التي أبدت موافقتها على مقترحات بكركي سواء القوات اللبنانية أو التيار الوطني الحر الذي اعتبر أنها طروحاته. وكان لافتاً ما اقترحته الوثيقة لجهة إلغاء مذهبية الرئاسات الثلاث وانتخاب مجلس شيوخ يتألف من ستين عضواً يمثلون مختلف الطوائف والمذاهب وتحدد صلاحياتها بالموافقة على القرارات المتعلقة فقط بالقضايا المصيرية والتي صوت عليها مجلس النواب. كما أضافت اقتراح توسيع صلاحيات رئاسة الجمهورية منها حلّ مجلس النواب بعد موافقة مجلس الوزراء عليه، وإعطاء رئيس الحكومة المكلف مدة شهرين لتشكيل الحكومة، وفي حال فشل بسحب التكليف منه ويحق له تقديم تشكيلة إلى مجلس النواب، وفي حال حصل على الأكثرية يمكن إعادة تكليفه من جديد.
واقترحت الوثيقة قانوناً انتخابياً جديداً يلحظ انتخاب مجلس النواب من ستين عضواً أصيلاً وستين رديفاً لا يتقاضون راتباً ويتوزعون بالتساوي علي الأقضية خارج القيد الطائفي وغيرها من الإصلاحات والاقتراحات المهمة والأقل أهمية، ومنها ما هو قابل للتطبيق ومنها ما ليس وارداً تطبيقه لاعتبارات سياسية أو طائفية أو لحسابات وتوازنات قديمة ومتجذرة في عقلية أرباب النظام. ولكن طرحها من قبل بكركي من شأنه أن يحرج القيادات السياسية بشكل عام والمسيحية المارونية بشكل خاص ويضعها في موقع المنافسة والمزايدة على بعضها البعض أمام بكركي وأمام الرأي العام المسيحي لأنها تعي نفوذ بكركي الروحي والمعنوي، وأن ما تطرحه يعكس تماماً الدور التاريخي للكنيسة في نشوء الكيان اللبناني، وما تمثله من وجدان مسيحي. ولكن هل كل هذا كافٍ لإقناع الطبقة السياسية بالتخلي عن مصالحها، وهي التي خاضت واختبرت كل مراحل الحرب الأهلية وعاصرت أصلب البطاركة لبنانية واستقلالية وأشدهم حزماً في مواجهة “حزب الله”. وها هو قد رحل وما زالت القوى نفسها تتمسك بالسلطة وتعيد تجديد نفسها. فهل يستعدّ الراعي لمواجهة هذا التحدي؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |