دولة تخاف من “الحزب”
من المؤكد أنّ تل أبيب هي التي تقرر فقط ما إذا كانت الحرب ستقع أم لا. ولن يكون لحكومة تصريف الأعمال أي دور إلا في حالة واحدة هي: أن يحزم لبنان الرسمي أمره ويقول بالفم الملآن: “لا نريد الحرب”!
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
وصلت الورقة الفرنسية الرسمية إلى بيروت الأربعاء الماضي، وإلى الآن، وبعد مضي خمسة أيام، لم تردّ حكومة تصريف الأعمال عليها. وللتذكير، هذه الورقة تتعلق بمصير لبنان من خلال الجنوب الذي يقترب أكثر من أي وقت من الحرب التي تهدد إسرائيل بشنها. وإذا كان من تبرير لعدم ردّ الحكومة على هذه الورقة حتى الآن، فأغلب الظنّ أنّ السبب يعود إلى “خوف” المسؤولين من “حزب الله”. ولا بدّ من أن يقوموا بمراجعته قبل إعداد هذا الرد.
يقول مسؤول بارز في مجالسه الخاصة، “أنّ أمام لبنان حلّ من اثنين هما: إما الانزلاق إلى حرب أهلية. وإما مواجهة حرب تشنها إسرائيل عليه. وإذا كان لا بدّ اختيار أحد هذين الحلين، فهو الحرب الإسرائيلية”.
قبل الذهاب إلى شرح نتائج “الحل” الثاني، أي الحرب الإسرائيلية، لا بدّ من مناقشة مضمون فكرة “الحل” الأول، أي “الحرب الأهلية”.
في تاريخ لبنان القديم والحديث على السواء تجارب من هذه الحرب. ففي القرن التاسع عشر اختبر جبل لبنان فتنة 1860. أما في القرن العشرين فعاش لبنان أهوال حرب عام 1975. وفي التجربتين اختلط الأهلي بالخارجي. ولو بدا أنّ الجانب الأهلي كان راجحاً على الخارجي. غير أنّ اللبنانيين لا يزالون منذ 184 عاماً يتوارثون جيلاً بعد جيل مرويات الأهوال التي عاشها الأجداد والآباء. حتى أنّ حرب 1975، يجمع سكان هذه البلاد عند الحديث عنها، على ترداد عبارة “تنذكر ما تنعاد”.
من أهم شروط الحرب الأهلية، أن يأخذ المواطنون على عاتقهم تسوية نزاعاتهم بالسلاح الذي لا صلة له بالدولة. واليوم، يتبيّن أنّ السلاح الوحيد الذي هو خارج الدولة، هو الذي يمتلكه “حزب الله”. وسلاح “الحزب” بشهادات عدة، بات أقوى من سلاح الدولة الذي يشبه العصا مقارنة ببندقية “الحزب”.
ولما كان الأمر على هذا النحو في الوقت الحاضر، فهل من مجال للحديث بعد عن “حرب أهلية” كما يقول هذا المسؤول؟ وهكذا تبدو مثل هذه الحرب، بمواصفات حربي عامي 1860 و1975 غير واردة على الإطلاق. وما هو وارد، هي الحرب التي جرّ “حزب الله” لبنان اليها عام 2006، وهو يستعد إلى جرّه مرة أخرى إلى حرب مماثلة.
من المؤكد، أنّ تل أبيب، هي التي تقرر فقط ما إذا كانت الحرب ستقع أم لا. ولن يكون لحكومة تصريف الأعمال أي دور إلا في حالة واحدة هي: أن يحزم لبنان الرسمي أمره ويقول بالفم الملآن: “لا نريد الحرب، وعلى “حزب الله” وقف الأعمال العسكرية فوراً”. وعلى الرغم من أنّ “الحزب” لن يمتثل، فعلى الأقل تكون الحكومة قد بعثت برسالة إلى العالم، مفادها أنّ لبنان بريء من أفعال جهة لا صلة لها بالدولة.
في أي حال، إنّ مجاهرة المسؤولين بموقف واضح وصريح، لن يكون الأول من نوعه إذا ما حصل. فقد سبقهم إلى ذلك، منذ تورّط “حزب الله” في المواجهات العسكرية على الحدود الجنوبية، البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. فهو قال تكراراً في عظاته الأسبوعية ومواقفه غير الأسبوعية موقفاً صريحاً ضد زجّ لبنان في الحرب. وفي إطلالة قبل أسبوعين تقريباً أعلن الآتي: “البطولة ليست في صنع الحرب بالأسلحة المتطورة إنّما البطولة بالعقل وبتجنّب الحرب”. وعلى الرغم من هذه المواقف الواضحة من هذه المرجعية الروحية البارزة في لبنان لم تقع الحرب الأهلية. وإذا ما وضعنا جانباً الردود السلبية التي صدرت عن جهات تدور في فلك “الحزب”، لم تؤدّ مواقف الراعي إلى اضطراب داخلي يغيّر مجرى أوضاع لبنان.
ماذا، لو اتحد اللبنانيون الذين يرفضون جرّ وطنهم إلى حرب مدمرة، كما تشير إليها وقائع الميدان الجنوبي، في إعلان موقف يشبه موقف البطريرك الماروني؟
في 14 آذار المقبل، تحل الذكرى التاسعة عشر لثورة الأرز الذي سجل اللبنانيون فيها وقفة واحدة لم يسبق لها مثيل في تاريخ هذا البلد. فهم في تجمعهم الكبير في ساحة الشهداء في ذلك اليوم المشهود، كانوا يشهرون سلاح الموقف فقط. وهذا اليوم النادر أدى بعد أسابيع قليلة إلى خروج جيش الوصاية السورية بعد 30 عاماً من الهيمنة على لبنان.
ما يستفاد منه الآن، هو أنّ حالة الجبن التي يتمتع بها المسؤولون، هي التي تجعلهم يتذرعون بالخوف من “حرب أهلية” مزعومة، هي في واقع الحال من اختراع الجبن الرسمي. ولا يبقى أمام اللبنانيين إلا أن يعلنوا موقفاً وازناً يشهر رفضهم لحرب يفرضها عليهم “حزب الله” ورعاته الإيرانيون.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |