لا بالرفض ولا بالفرض
البندقية التي حررت الجنوب صارت عبئاً على القرار الوطني الجامع، بدليل ما شهدته بيروت والجبل من عملية غزو مسلح، في 7 أيار 2008 وفق سيناريو مرسوم ومخطط له، انطلق من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لفرض سيطرة غير وطنية على لبنان وإلحاقه بمشروع هيمنة على المنطقة
كتب راشد فايد لـ”هنا لبنان”:
على السياسيين ألّا يصدّقوا أنّ اللبنانيين يصدّقون إصرارهم على أنّ أسّ الحل السياسي للأزمات، من انتخاب رئيس للجمهورية إلى الانهيار المالي والإقتصادي، هو في التوافق على مرشح ثالث بينما هو في العودة إلى “الكتاب”، أي الدستور، وفق تسمية “الرئيس اللواء الأمير فؤاد شهاب”، وما دون ذلك خبط عشواء، تزيد من الإحتقان المعيشي، ومن تدمير بنية دولة المؤسسات، إن بقي منها ما يستحق هذه التسمية، حتى باتت هذه، ومعها الدوائر الرسمية إقطاعات، والأحرى دويلات، تطعم من هم فوق من لحم أكتاف الدولة الأم، حتى باتت خزائن مالهم متخمة، وجيوب مواطنيهم خاوية، إلّا من فتات يتناتشونها لتقيم أودهم.
عليهم، أيضاً، ألّا يصدّقوا أنّ اللبنانيين يصدّقون أنهم جديّون في ما يصرّحون به عن طاولة حوار، وضرورة التوافق على رئيس للجمهورية، بينما يتمسك أهل “الممانعة” بمرشحهم، وأهل “السيادة” بموقفهم، ويحرف آخرون النقاش إلى تفاصيل جانبية آخرها السؤال المفتعل: هل الدعوة هي إلى الحوار أو التشاور، أم البحث في مرشح ثالث، ومن سيدعو إليه، أرئيس السنّ باعتبار الرئيس نبيه بري، على ما يردد، هو طرف منحاز سلفاً إلى حلفائه داعمي ترشيح سليمان فرنجية، ليفضي الواقع إلى الخيار بين مروان حمادة وجورج عدوان، ما يفتح الباب على جدالات دستورية، تغرق في القشور، وتجافي لبّ الأزمة الأساسية: ماذا يقول الدستور؟
منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، “تشاغلت” الطبقة السياسية المهيمنة عن أهمية انتخاب رئيس جديد، وغرق البلد في “كوفيد” سياسي- مالي، لم تنفع معه مناشدات العرب والغرب، لتصويب الجدالات العقيمة نحو صون بنية الدولة ومؤسساتها، بل ما جرى كان العكس: تشرشح الدستور وصار مضغة، وكثُر المجتهدون في تفسيره، حتى صار رئيس مجلس النواب، فعلياً، رأس كلّ السلطات، وباتت الحكومة حكومات، والوزارات إقطاعات، وجرت قولبة الصلاحيات على مقاسات النافذين، وشطارة الناهبين، وكلما كانت “المنهبة” أكبر زاد بطلها وقاحة في إشهارها، وكأنها أمر لا يُستحَى به ومنه.
في الوجه السياسي للتردّي القائم، يستمر حزب السلاح في القبض على القرار الوطني، إلى حد مصادرة احتفاء الجيش بانتصاره في تحرير جرود عرسال من “داعش”، في النصف الأول من آب 2014. ومن يستعرض مسيرته منذ سقوط الاحتلال الإسرائيلي للجنوب في أيار 2000، لا يفوته ملاحظة تحكمه بمصير البلد، ومسيرته إمّا بالفرض أو بالرفض، كما حرب تموز 2006، وما يسمى “قواعد الاشتباك”، وغيرها، من جهة، وعدم التخلي عن ترشيح فرنجية لدخول قصر بعبدا، وتالياً تعطيل أيّ حلحلة لأزمة الرئاسة.
ذلك يجعل من إبداء نيات ايجابية لإخراج لبنان من المصائب المحيطة به حديث خرافة لن يعيد للمودعين أموالهم المنهوبة، ولا للدولة مكانتها، ولا للدستور هيبته وقدسيته، فالبندقية التي حررت الجنوب، صارت، ومنذ اليوم التالي للتحرير، عبئاً على القرار الوطني الجامع، بدليل ما شهدته بيروت والجبل من عملية غزو مسلح، في 7 أيار 2008 وفق سيناريو مرسوم ومخطط له، انطلق من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لفرض سيطرة غير وطنية على لبنان، وإلحاقه بمشروع هيمنة على المنطقة، لم تتوانَ طهران عن تأكيده، ولم يتردّد الحزب في التباهي به، وإعلان الولاء للساعين الإقليميين لتحقيقه.
هذا الولاء يترجم اليوم بكلام معسول عن إيجابيته تجاه انتخاب رئيس، وإلحاق لبنان، عملياً، بالحرب الإسرائيلية على غزة بعنوان “وحدة الساحات”، التي لم يستشر في تبنيها أيّ لبناني، ويدفع الجنوب، اليوم، كلفتها شهداء ودماراً، وقد يجاريه لبنان، كله، غداً، على ما يهدده قادة اسرائيل، ولا يوارونه عن أعين العالم.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |