ضحايا السلاح المتفلّت بين ضعف الدولة واستقواء “المرجعيات”
رغم كل الدعوات والتحذيرات، لا يزال إطلاق النار في المناسبات السعيدة أو الحزينة أو عند خطاب زعيم، ظاهرة قائمة حتى ولو تسبّبت بكارثة، قد تنتهي بوفاة أبرياء أو التسبّب بعاهات جسدية بفعل “رصاصة طائشة” أطلقها شخصٌ طائش
كتبت سمر يموت لـ “هنا لبنان”:
نصّ الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والذي شارك لبنان بصياغته والتزم بتطبيقه في مقدمة الدستور “على حق الانسان بالأمان”، وتعتبر ظاهرة إطلاق النار في الهواء تحت أي حجّة أو مناسبة انتهاكاً لحق الفرد في العيش آمناً وقد تُهدّد حياته في أي لحظة.
ورغم كل الدعوات والتحذيرات، لا يزال إطلاق النار في المناسبات السعيدة أو الحزينة أو عند خطاب زعيم، ظاهرة قائمة حتى ولو تسبّبت بكارثة، قد تنتهي بوفاة أبرياء أو التسبّب بعاهات جسدية بفعل “رصاصة طائشة” أطلقها شخصٌ طائش.
الأمثلة كثيرة عن هذه الكوارث التي حلّت بعائلات وحوّلت حياتهم إلى مآسٍ، وآخرها ما حصل ليل الأربعاء الماضي، من إشكال بين أفراد من عائلتي الحلو وبريص في محلة “العمارة” في عكار، ترافق مع تبادل لإطلاق نار من أسلحة حربيّة، ما أدى إلى إصابة 4 أشخاص بينهم علي بريص، الذي سرعان ما فارق الحياة، إضافة إلى إصابة طفلة من آل عبيد عن طريق الخطأ ليتم نقلها للمعالجة إلى مستشفى عبدالله الراسي الحكومي في حلبا.
فور شيوع نبأ مقتل بريص سادت حال من التوتر في المنطقة وجرى إطلاق نار في الهواء لدقائق وإحراق عدد من السيارات والمنازل والأراضي الزراعية، إلى أن حضرت قوة من الجيش اللبناني وأجرت تمشيطاً للمنطقة وبدأت بتعقّب مطلقي النار فهدأت الأمور لتباشر الأجهزة الأمنية تحقيقاتها لمعرفة ملابسات القضية.
ضحايا قتلوا وغيرهم نجوا بأعجوبة
ليست حادثة عكار الأخيرة، الشاهد الوحيد على تفلّت السلاح بين المواطنين، فكثيرة هي الشواهد على انتشار السلاح وتسبّبه بمقتل الأبرياء في مناسبات حزينة أو سعيدة، فخلال مراسم تشييع عنصر “حزب الله” أحمد قصاص (الذي سقط في إشكال الكحالة) في آب 2023 أصاب الرصاص الطائش موكب وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم. ولم ينسَ اللبنانيون كيف قتلت رصاصة طائشة (ابتهاجاً بنجاح تلامذة في الامتحانات الرسمية) الطفلة نايا حنّا ابنة الأعوام السبعة في العام نفسه.
حوادث مشابهة تتكرر في لبنان عند كلّ مناسبة، وكأنه مكتوب على اللبناني أن يدفع ثمن الاستهتار بروحه، أو أن ينال شهادة وفاة، مقابل كلّ شهادة نجاح أو عقد زواج، ففاجعة مقتل لاعب كرة القدم محمد عطوي في منطقة الكولا ما زالت تكوي عائلته، وغيرها الكثير الكثير التي يصعب إحصاؤها.
التشدّد بالأحكام
تُشير آخر الاحصاءات إلى أنّ هناك أكثر من مليون قطعة سلاح متوفرة بين أيدي الناس (عدا عن أسلحة الأحزاب طبعاً)، ومن ضمن هذا الرقم 600 ألف سلاح غير مرخص، فبعض المناطق تعجّ بالسلاح الفردي المتفلّت، فيما يمتلك البعض قاذفات الـ “آر بي جي” وغيرها من الأسلحة المتوسطة أو الثقيلة.
هذا الأمر دفع بالمحكمة العسكريّة إلى التشدّد بأحكامها على مطلقي النار، فقد عمدت إلى رفع الغرامات الماليّة على مرتكبي هذا الجرم، حيث باتت عقوبة إطلاق النّار للمدّعى عليهم وجاهياً، الحبس شهراً وتغريمهم أربعة ملايين ليرة غرامة إضافة إلى 30 مليون ليرة بدل ثمن بندقيّة حربيّة، بعدما كانت العقوبة سابقاً الحبس شهراً ومليوني ليرة غرامة و4 ملايين ليرة بدل بندقيّة. أما غيابياً فرُفعت العقوبة إلى الحبس شهرين و6 مليون ليرة غرامة وبدل بندقية 30 مليون ليرة.
انتشار السلاح وحماية المرجعيات
عزا الخبير العسكري العميد المتقاعد خليل الحلو في حديث لـ “هنا لبنان” أسباب تفلّت السلاح إلى ثلاثة أمور “غياب الدولة، شلل القضاء ووجود مناطق محرّمة على الدولة والجيش اللبناني”، وشدّد على “أنّ الجيش لا يحتاج إلى إذن لدخول أيّ منطقة فعندما يكون هناك خسائر في الأرواح وجب على الجيش أن يتدخل”. وأضاف الحلو “خلال السنوات العشر الأخيرة سقط أكثر من 81 قتيلاً و169 جريحاً، أي أكثر من سبعة قتلى في العام الواحد”. وكشف أنّه يقدّر في لبنان وجود أكثر من مليون قطعة سلاح بين الناس، أي بين كل ٤ أشخاص هناك قطعة سلاح واحدة، والقضاء يعاقب مطلق النار بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات عدا الغرامات المالية”.
وتوقّف عند الحمايات الحزبية والسياسية للأشخاص والتي تبقى المُحفّز الأول على انتشار السلاح، بالإضافة إلى غياب المحاسبة والوساطات التي تحمي هؤلاء، وقال “لا يمكن تحميل الدولة المسؤولية فقط ولا الأجهزة الأمنية وحدها، فهؤلاء وإن حاولوا القيام بواجباتهم تأتي التدخلات السياسية والوساطات لتمنعهم سواء كانوا مسؤولين أمنيين أو قضاة”.
ووصف الحلو الوضع العام بأنّ فيه تراخياً “ورغم أن ظواهر السلاح العلني غير موجودة في المناطق، فإنّ بعض الأشخاص يحملون السلاح ليلاً احتساباً للتشليح، والمشكلة أنّ حمل السلاح هو من أسهل الأمور لكنّ عواقبه من أصعبها”.
أضاف الحلو: “الحلّ ليس سحريّاً وهو يكمن في قيام الأجهزة الأمنية والعسكرية بواجباتها في جميع المناطق على حدّ سواء، فحتى ولو كان مطلق النار مجهولاً، يمكن للخبراء في علم “البالستية” تحديد هويّته من خلال نوع الرصاصة ومطابقتها مع السلاح المستخدم، فكل بندقية معروف مجال الرماية لها، وتؤخذ المسافة التي تفصل بين الضحية ومطلق النار ثم اتجاه الرماية كدليل لإدانته. نحن لا نستطيع أن نلوم الأجهزة الأمنية إذا ألقت القبض على مطلق نار ونُحمّلها ذنب إطلاق سراحه بعد دقائق بضغوطات من مرجعية ما”، وخلص إلى “دعوة المسؤولين ورجال السياسة للتحلي بروح المسؤولية من أجل قيام دولة لبنان كما نريد”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أطفال لبنان يعيشون كابوس الحرب ويُرعبهم صوت “أدرعي” | سجناء لبنان ينزحون أيضاً: قلقون على حياتهم وذويهم | سجناء “رومية” يصعّدون تجاه الأوضاع اللاإنسانية |