باسيل يلعب على حبلي “الحزب” واستعادة الحقوق المسيحية والشعبية المفقودة!
قبل شهر تحديداً هاجم باسيل الحزب وتفرّده بقرار الحرب في لبنان، وتمسّكه بوحدة الساحات وربطه حرب غزة بالجنوب اللبناني.. ثم انتقل منذ أيام قليلة إلى خط سياسي مغاير، فتذكّر الخبز والملح مع حارة حريك علّهما يعيدان الأجواء إلى سابق عهدها
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
لطالما لم يفهم أحد على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، فتارة يكون دبلوماسياً منفتحاً على أغلبية الأطراف السياسية، وطامحاً إلى حوار يجمع المتناحرين تحت عنوان مصلحة لبنان العليا، وطوراً يكون سياسياً من الصقور يتحدّى ولا يهادن، فينبش قبور الماضي الأليم مع الخصوم، ويطلق السهام في كل الاتجاهات، من دون أن يرحم أحداً، لذا لا يمكن تصديقه بسهولة، نظراً لذلك التأرجح الذي يستعين به في بعض خطاباته.
هذا التأرجح لم يمرّ عليه الكثير من الوقت، فقبل شهر تحديداً هاجم باسيل حزب الله وتفرّده بقرار الحرب في لبنان، وتمسّكه بوحدة الساحات وربطه حرب غزة بالجنوب اللبناني، كذلك فعل عمه الرئيس السابق ميشال عون فأطلق كلاماً مشابهاً، حينها لم يتقبّل حزب الله تلك الانتقادات وفضّل الصمت، لكن الرسائل الشفهية وصلت إلى باسيل من حارة حريك، وفهمَ أنّ العلاقة باتت في خانة القطيعة، لأنّ الحزب لم يتفهّم ذلك الهجوم الفجائي، فيما المواقف البرتقالية كانت مغايرة مع بدء عملية طوفان الأقصى.
إلى ذلك، انتقل رئيس التيار منذ أيام قليلة إلى خط سياسي مغاير، فتذكّر الخبز والملح مع حارة حريك علّهما يعيدان الأجواء إلى سابق عهدها، أي مراعاة الطرفين لبعضهما لأنّ المصالح الخاصة “بالدق”، لذا من الواجب مراعاة خواطر الحليف الدائم، الذي تحوّل إلى سابق بسبب التباينات التي ظهرت، والخلافات بين الطرفين في العلن وبقوة، ولم يعد أحد منهما قادراً على “لفلفتها”، فعمل باسيل على إظهار نفسه في خانة السياسيين الحمائم، وذلك خلال لقاء شبابي نظمه التيار مساء السبت الماضي، تحت عنوان “من جيل إلى جيل”، فبدا منفتحاً على إنهاء التوتر مع حزب الله مستخدماً كلمات هادئة في اتّجاهه، وأبدى رغبة في العودة إلى أحضان الحزب، مع تأكيده على عدم ندمه يوماً على تفاهم مار مخايل الذي لم يسقط كما رأى باسيل، لكنه بحاجة إلى تطوير متحدثاً “عن تفاهم أعطانا 15 سنة من الاستقرار في البلد، لكننا خسرنا شعبيتنا بسببه، لأن تسويق حزب الله صعب في الشارع اللبناني خصوصاً لدى الشباب، وعلى الرغم من ذلك قمنا بالتضحية بشعبيتنا مقابل الاستقرار، لكننا وصلنا إلى مكان لم يعد يسير فيه الحزب معنا في الشراكة فابتعدنا، من هنا نقول: إذا عدتم عدنا”.
وأشار إلى “أنّ التيار الوطني الحر لم يغيّر موقفه، ولا يزال مع المقاومة ضد إسرائيل، طالما أنّ الجيش ليس قادراً على القيام لوحده بهذه المهمة”!
من ثم دعا باسيل بكركي إلى عقد لقاء مسيحي على أرضها،” لرفع الصوت ومواجهة عملية الإقصاء المتعمّد، التي يتعرّض لها المكوّن المسيحي كما قال، بدءاً من رئاسة الجمهورية حتى أصغر خفير جمركي في الدولة”، معتبراً أنّ مَن لا يلبي الدعوة يتحمل مسؤولية غيابه والإقصاء أمام التاريخ والناس.
باختصار قلبَ رئيس التيار الوضع رأساً على عقب، من خلال “تكويعاته” السياسية التي شكلّت صدمة لدى العديد من مناصريه، الذين لم يصدقوا هذا الانقلاب في المواقف في توقيت دقيق، بعد أن اعتقدوا أنّ رئيسهم عاد سالماً إلى قواعده، أي إلى ما قبل العام 2005، سائلين لماذا هذا التراجع اليوم ولأي سبب؟ متناسين المصالح الخاصة المشتركة مع الحزب، الذي لم يصدر أي تعليق أو موقف حتى اليوم، مستعيناً كعادته بالسكوت.
في غضون ذلك يبدو أنّ باسيل يلعب على حبلين، حبل حزب الله وضرورة العودة إليه، لأنّ التحالف مطلوب بقوة بعدما بات وحيداً مطوقاً بالخصوم وما أكثرهم، أما الحبل الآخر فهو لطالما تناساه ومن ثم استذكره عند الضرورة القصوى، أي حقوق المسيحيين والتبجّح بإعادتها على مدى عقود في حين بقيت مسلوبة، والجميع يعرف من سلبها ومن وافق على ذلك.
لذا لم يعد ذلك اللعب ينطلي على أحد، خصوصاً المسيحيين المنهكين من الكلام والوعود، فالستارة أسدلت وانتهى دور الممثلين، ولم يعد الكلام المعسول ينفع، ما جعل التيار البرتقالي في مسار آخر، أي في عزلة كبيرة مع فقدانه الشعبية المسيحية التي لن يستطع أحد إعادتها، بعد كل “التخبيصات” التي رافقت العهد السابق على مدى سنوات ولغاية اليوم.
أما دعوته إلى عقد لقاء مسيحي في بكركي، بعد هجومه على كل القيادات المسيحية على مدى سنوات، فهو أراد الظهور وكأنه الهادف إلى جمع تلك القيادات تحت قبة بكركي، بهدف التفاهم على كل الملفات العالقة والقضايا التي تهم المسيحيين في الدرجة الاولى، وبالتالي إظهار المعرقلين ممَن سيرفضون هذه الدعوة، وإبعاد صفة المعرقل عنه، لكن هذه الخطة لم تعد تنفع، فهو يعرف سلفاً أنها ستُرفض، ومع ذلك يكرّرها إنطلاقاً من تحسين صورته السياسية أمام الجميع، إذ سيتعذّر حصول الاجتماع بسبب رفض “القوات اللبنانية” المشاركة في اللقاء، وقد أعلنت ذلك أمس ضمن بيان واضح.
كما أنّ عدم إعلان باسيل لغاية اليوم ضرورة تسليم سلاح حزب الله إلى الدولة، يؤكد أنّ النيّة ليست حسنة ولا موجب للتلاقي، في ظل وجود الدويلة المسيطرة على الدولة، وبالتالي لو كان رئيس التيار على توافق مع الحزب، في الملف الرئاسي وموضوع الصلاحيات ورفض اجتماعات الحكومة، لكان المشهد السياسي في مكان آخر، ولكان باسيل في موقع آخر.