البطريرك الدويهي طوباوياً في ذكرى ميلاده تكريساً لمسيرة ملؤها القداسة والرجاء
في الثاني من آب المقبل، ذكرى ميلاد البطريرك الدويهي، يشهد الصرح البطريركي حفل تطويبه بعدما أعلن قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس رسمياً القرار.. وبهذا التطويب المستحق يكون “أبو التاريخ الماروني” قد ارتقى إلى مصافّ حاملي النعم الأبدية
كتبت كارول سلوم لـ”هنا لبنان”:
قولاً وفعلاً تمسّك البطريرك اسطفان الدويهي بوصية الرب القائلة “كما أنّ الذي دعاكم هو قدوس، فكذلك كونوا أنتم قديسين في سيرتكم كلها”.
في الثاني من آب المقبل، ذكرى ميلاد البطريرك الدويهي، يشهد الصرح البطريركي حفل تطويبه، بعدما أعلن قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس رسمياً القرار، وذلك بصدور مراسيم دائرة قضايا القديسين في الرابع عشر من آذار الجاري أثناء الاستقبال الذي حظي به الكاردينال مارسيلو سيميرارو، عميد مجمع القديسين وإبلاغه الموافقة على الأعجوبة المنسوبة إلى شفاعة الدويهي. وبهذا التطويب المستحق، يكون “أبو التاريخ الماروني” قد ارتقى إلى مصاف حاملي النعم الأبدية..
طبق البطريرك الدويهي الذي لقب بـ “مجد لبنان والموارنة” قول الرب، وسلك طريق القداسة وعينه على
لبنان وشعبه. كان البطريرك السابع والخمسون للكنيسة المارونية أعظم البطاركة شأناً ومعلماً وعالماً ورائداً من رواد النهضة الفكرية وكاتباً وفيلسوفاً ومناضلاً فذاً عن البلد. تتقاطع القراءات والدراسات التاريخية حول محطات حياته الحافلة بالأحداث وعلى دوره البارز في الاندفاع الوطني والمثالية الدينية، وفي هذا السياق احتل مكاناً مرموقاً توثقه الوقائع والتواريخ المتعددة، في حين تكشف الالقاب التي حملها طيلة حياته من “عمود الكنيسة المارونية” إلى “ذهبي الفم الثنائي ” وإلى “عظيم الأمة المارونية” عن حقيقة البطريرك الجليل الذي دعا إلى نبذ الأحقاد والمصالحة والسلام.
في الثالث من تموز العام ٢٠٠٨، تم إعلانه خادماً لله من قبل مجمع قضايا القديسين ووقتها أذن البابا بنديكتوس السادس عشر لمجمع القضايا بصياغة مرسوم حول فضائل البطريرك الدويهي الذي يشار إليه أنه جليل منذ لحظة نشر المرسوم.
اليوم وبعد مرور ١٦ عاماً كان له التطويب المبارك، وفي آذار 2023، وافقت لجنة الأطباء المكلّفة من مجمع القديسين في حاضرة الفاتيكان بالإجماع على اعتبار الشفاء بشفاعة البطريرك اسطفان الدويهي “أعجوبة”، تمت مع السيدة روزيت زخيا كرم التي كانت تعاني من مرض لا دواء له، والقرار صدر بإجماع أعضاء اللجنة، وبلّغ إلى مجمّع القديسين للبت به نهائياً، ورفعه إلى قداسة الحبر الأعظم ليُصار إلى تحديد موعد إعلان البطريرك طوباوياً على مذابح الكنيسة المارونية في لبنان وكل مكان.
لن تكون مدينة إهدن مسقط رأسه، وحدها من تحتفل بهذا التطويب إنما لبنان كله، والدعوة بالمشاركة في قداس تطويبه موجهة إلى الجميع. والبطريركية المارونية بدأت منذ الإعلان التحضير لهذا الحدث المقدس في بكركي ، فتطويب المكرم في بلده بعد أن كان يتم في روما هو نعمة إلهية.
البطريرك الدويهي النسر المحلق
وفي هذا السياق، يقول الاب بولس قزي طالب دعوى تطويب البطريرك الدويهي لـ “هنا لبنان” : شكراً للرب على قرار قداسة البابا بتطويب البطريرك الدويهي الذي يعتبر أعظم بطريرك في تاريخ الموارنة، ووصف بالنسر المحلق، ملؤه الإيمان والمحبة ومواهب الروح القدس. وكان عالماً وحكيماً، ومن شدة ذكائه أرسل في سن الحادية عشرة إلى روما لاستكمال دراسته.
ويتوقف الأب قزي عند إصابة المكرم بالعمى وعودته إلى لبنان، حيث طلب الشفاء من مريم العذراء التي كانت شفيعته واستجابت له، فكرمها وكرس حياته لأجلها ووادي قنوبين شاهد على ذلك، مشيراً إلى أنه كان شخصية فذة وكاتباً ومؤلفاً ومرجعا. في الليتورجيا والقداس الماروني، كما كان بطريركاً عصامياً وفي خلال الحكم العثماني وقف موقف القوة والكرامة بوجه هذا الاحتلال الذي اضطهد البطاركة الموارنة، ورفض تسديد الضرائب.
ويؤكد أنّ البطريرك الدويهي تنقل في عدة مناطق وأقام علاقة طيبة في خلال وجوده في منطقة المعوش الشوفية مع الدروز وكانت استراتيجيته قائمة على الجمع لا التفرقة، وفي مراحل حياته، عمل على تأسيس عدة مدارس تابعة للطوائف الشرقية لا سيما طائفة السريان الكاثوليك. وتنقل بين حلب وروما وكان المؤرخ والواعظ والمتفوق في عمله، والطائفة المارونية مدينة له في تصحيح مفهوم المارونية.
ويضيف: طلب البطريرك المكرم أن يدفن في وادي قنوبين مع أسلافه البطاركة، أما دعوى تطويبه، فنسق فيها عدد من البطاركة ولاسيما البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي في حين حرك أبناء زغرتا وإهدن المساعي لإتمام ذلك.
ويروي الأب قزي كيف تسلم دعوى التطويب في العام ٢٠٠٠ والتي اعتبرها أعجوبة، حيث تبلغ ذلك من البطريرك صفير في حين زارته الدكتورة في العلم الماروني مريم كبة وقالت له أنه سيستلم الدعوى، وهي الدكتورة التي طلبت الشفاء لعينها من البطريرك الدويهي واستعادت البصر، وشكرت ربي على هذه المهمة السامية التي تم منحي إياها وعملت من أجلها وصولاً إلى قرار التطويب، داعياً الجميع إلى المشاركة في هذا الحدث الجليل وشاكراً جميع الذين تعاون معهم لهذا الهدف كما الذين دعموه منذ العام ٢٠٠١ حتى هذا اليوم.
وفي السادسة والنصف من مساء الثاني من شهر آب المقبل، سيكون لبنان “بلد الرسالة” على موعد مع إعلان الطوباوي اسطفان الدويهي، لعل هذا الحدث يعيد الأمل إلى اللبنانيين التواقين إلى الخلاص، فتحل البركة عليهم من خلال شفاعته.