لقاء بكركي وهدف باسيل المستحيل
عزلة التيار الوطني الحر دفعت رئيسه جبران باسيل إلى محاولة استغلال البطريركية المارونية وتوظيفها لحسابه السياسي بعد أن ابتعد عن “الحزب”، فكانت الدعوة التي عمل عليها وكررها لأسابيع من أجل جمع القوى المسيحية “لأننا كلنا بحاجة إلى بعضنا”
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
عمر اللقاءات السياسية في بكركي من عمر بكركي نفسها تقريباً، وتحديداً منذ ما قبل الاستقلال عندما ترأس البطريرك الياس الحويك عام ١٩٢٠ الوفد اللبناني إلى فرساي الذي ضمّ مختلف الطوائف اللبنانية للمطالبة باستقلال لبنان، وإعلانه قبل أكثر من مئة سنة أنّ “الانتماء إلى لبنان هو على أساس الوطن وليس الطائفة”. ومن يومها تحولت بكركي إلى مرجعية وطنية لبنانية في المناسبات واللحظات المفصلية. فهكذا كان بدءاً بالبطريرك عريضة خليفة الحويك وصولاً إلى البطريرك نصرالله صفير الذي لقب بطل “الاستقلال الثاني” نتيجة خوضه معركة تحرير لبنان من الهيمنة السورية عندما أطلق نداءه الشهير في أيلول ٢٠٠٠ معلناً أنه حان الوقت لانسحاب الجيش السوري بعد أن انسحبت إسرائيل وزال الاحتلال.
ولكن صفير كان يعمل على اللقاءات ذات الطابع اللبناني، ولم يكن يحبذ الاصطفافات المسيحية المارونية، ورفض أكثر من مرة الانحياز لطرف دون الآخر لدرجة أنه رفض مراراً تزكية أي اسم ماروني لرئاسة الجمهورية رغم المحاولات والضغوط التي تعرض لها منذ أزمة الرئاسة في نهاية عهد أمين الجميل قبل ٢٦ سنة، وتنطح ميشال عون للرئاسة عام ١٩٨٨. وفي المرة الوحيدة التي وافق فيها على مضض عام ٢٠٠٧ تحت ضغط فرنسي (وزير الخارجية برنار كوشنير) على اقتراح أربعة أسماء للرئاسة في نهاية عهد إميل لحود، كانت النتيجة فشل المحاولة وتم انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً الذي لم يكن اسمه من ضمن الأسماء الأربعة.
وفي عام ٢٠١٣ نظم وبارك البطريرك بشارة الراعي، الذي خلف صفير بعد استقالته عام ٢٠١١، اللقاء الرباعي في بكركي الذي تم خلاله تكريس ميشال عون وسمير جعجع وأمين الجميل وسليمان فرنجية كزعماء للطائفة المارونية. وهي خطوة استغلها عون لتكريس نفسه زعيماً مارونياً ومن فريق الممانعة، فعقد أولاً ما أسماه “ورقة التفاهم” مع “حزب الله” في ٢٠٠٦ وغطاه في حرب تموز واحتلال بيروت في ٧ أيار ٢٠٠٨ وحصل منه على رئاسة الجمهورية عام ٢٠١٦ بعد سنتين ونصف السنة من الحصار الذي مارسه “حزب الله” على موقع الرئاسة. فهل ندم الراعي على ذلك؟
وقد حصلت رئاسة عون وتعززت بـ “اتفاق معراب” مع جعجع ودعم سعد الحريري اللذين ثبتاه في بعبدا ست سنوات كانت نهايتها انهيار الدولة مؤسساتياً واقتصادياً ومالياً، وسيطرة “حزب الله” على قرارها.
واليوم وسط هذا الإفلاس السياسي والمالي يحاول “حزب الله” أن يلعب اللعبة نفسها بفرض مرشحه للرئاسة بعد أن شارف لبنان على نهاية شهره الخامس عشر من الفراغ الرئاسي، ويزج لبنان في حرب لا قدرة له على الانخراط فيها ولا تحظى بتأييد واسع من اللبنانيين. وقد حاولت بكركي منذ فترة دوزنة موقفها السياسي والبقاء على مسافة واحدة من جميع القوى المسيحية من خلال طرحها لحياد لبنان ونظام الدولة المدنية. غير أنّ عزلة التيار الوطني الحر دفعت رئيسه جبران باسيل إلى محاولة استغلال البطريركية المارونية وتوظيفها لحسابه السياسي بعد أن ابتعد عن “حزب الله”، فكانت الدعوة التي عمل عليها وكررها لأسابيع من أجل جمع القوى المسيحية “لأننا كلنا بحاجة إلى بعضنا” كما صرح. فيما “الثنائي الشيعي” يمارس سطوته على المستوى الحكومي وابتزازه السياسي على الصعيد الرئاسي، ويتهرب من عملية الانتخاب حسبما يمليه الدستور لأن ليس لديه أكثرية نيابية. فهل تقع بكركي والقوى المسيحية في فخ “حزب الله”؟
حضرت اجتماع بكركي أمس كافة القوى المسيحية من التيار العوني إلى القوات وحزب الكتائب وحركة الاستقلال (ميشال معوض) وحركة “وطن الانسان” التي يرأسها نعمت أفرام وقاطعه تيار المردة. لأن رئيسه يعلم ربما أنه لن يتمكن من الحصول على دعم كل هذه القوى لترشيحه، ولكن بيت القصيد لهذا الاجتماع الذي لا يحصل منذ سنوات أنّ المطلوب هو موقف واحد من “حزب الله” وسياسته وسلاحه الذي يفرق بين كل هذه القوى، وتحديداً التيار الذي يشكل إحراجًا لباسيل والذي لن يتمكن، ولا يريد أصلاً أن يتخذه في الوقت الحالي.
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |