من هرّب الموقوف داني الرشيد؟
الحادثة التي أربكت القضاء والأجهزة الأمنية، أعادت طرح السؤال مجدداً عن جدوى فاعلية جهاز أمني غير قادر منع سجين من الفرار، لا بل تطرح أسئلة عمّن تواطأ على تهريبه وربما إخراجه من البلاد
كتب يوسف دياب لـ “هنا لبنان”:
صفعة جديدة تلقتها الدولة اللبنانية اليوم، تمثّلت بفضيحة فرار الموقوف داني الرشيد من سجن “أمن الدولة”. لكن هذه الفضيحة لا تحتمل الكثير من التأويل، ولا تحتاج لتحقيقات مستفيضة وصعبة، لتكشف عملية تواطؤ دبّرت تحت جنح الظلام، وأفضت إلى تهريب هذا السجين المعروف بأنه يحظى بحماية سياسية وأمنية، ويلقى معاملة مميزة وكأنه يعيش في فندق 5 نجوم.
الحادثة التي أربكت القضاء والأجهزة الأمنية، أعادت طرح السؤال مجدداً عن جدوى فاعلية جهاز أمني غير قادر منع سجين من الفرار، لا بل تطرح أسئلة عمّن تواطأ على تهريبه وربما إخراجه من البلاد، خصوصاً وأنّ الرشيد الملاحق بمحاولة قتل مهندس في مدينة زحلة، هو مدير مكتب الوزير السابق سليم جريصاتي مستشار الرئيس السابق ميشال عون، والمستشار الشخصي لرئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا.
استدعت الحادثة استنفاراً قضائياً، فعقد النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار اجتماعاً طارئاً في مكتبه مع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، جرى خلاله الاتفاق على فتح تحقيق فوري يتولاه عقيقي بإشراف الحجار، وأسفر هذا التحقيق وفق مصدر قضائي عن “توقيف ثلاثة عناصر من أمن الدولة، وهناك عناصر آخرون يخضعون للتحقيق لم يتخذ قرار بشأنهم بعد”. وأكد المصدر لـ “هنا لبنان”، أنّ القاضي عقيقي “استدعى اللواء طوني صليبا إلى الاستجواب بوصفه رئيساً لجهاز أمن الدولة ومسؤولاً عن تصرف ضباطه وعناصره”. وقال إنّ صليبا “استغرب في البداية استدعاءه واستفسر الأسباب، لكنه عاد ووافق على الحضور إلى مكتب عقيقي في المحكمة العسكرية والإدلاء بإفادته”.
وكان قد صدر قرار ظني عن قاضي التحقيق الأول في البقاع القاضية أماني سلامة، اتهمت فيه الرشيد بـ”بجناية محاولة قتل المهندس عبد الله حنّا (المقرّب من رئيسة الكتلة الشعبية السيدة ميريام سكاف)، عبر تحريض أشخاص على ضربه وإيذائه”، إلّا أن الهيئة الاتهامية فسخت قرار القاضي سلامة، واكتفت باتهامه بـ”الايذاء”، ولم تفلح كل المحاولات بالإفراج عنه وإعادته إلى الحريّة.
عملية الهروب أو التهريب، أتت بعد أيام على التقرير الذي تسلّمه النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، والذي يفيد بأنّ الرشيد “يحظى بمعاملة خاصة من أمن الدولة كونه مستشار رئيس الجهاز ولديه علاقات وثيقة مع شخصيات سياسية، وثمة معلومات عن إخراجه من السجن ونقله إلى منزله بشكل دوري وقضاء أوقات طويلة مع عائلته وأصدقائه، وعلى الأثر وجّه النائب العام التمييزي كتاباً إلى صليبا طلب فيه نقل جميع السجناء الموجودين لدى أمن الدولة إلى السجون ومراكز التوقيف الواقعة تحت سلطة قوى الأمن الداخلي، وتبيّن أنّ هؤلاء السجناء لم يجر نقلهم”. وأوضح المصدر القضائي أنّ الحجار “استوضح أمن الدولة عن أسباب التأخر بنقل السجناء وطلب لائحة بأسماء كل الموقوفين لديهم”، مشيراً إلى أنّ النائب العام “تسلّم اللائحة التي تضمّ أسماء كل الموقوفين ما عدا داني الرشيد، وهنا اعتقد الحجار أنه تم نقل الرشيد إلى سجن مركزي، قبل أن يُفاجأ بخبر فراره”.
اللافت أنّ عملية الفرار التي حصلت بعد الاتفاق على موعد نقل الرشيد إلى عهدة قوى الأمن الداخلي، وأفاد المصدر عن “اتصال حصل ما بين اللواء صليبا والمدير العام لقوى الأمن الداخلي تم خلاله تحديد موعد نقل هذا السجين إلى عهدة الأمن الداخلي، لكن بعد ساعات أعلن خبر فراره من السجن”.
وبموازاة التحقيق لكشف كيفية الفرار ومن سهّل هذه العملية، تواصل الأجهزة الأمنية تعقب الرشيد، فيما رجح مصدر أمني أن يكون غادر لبنان، وأشار المصدر لـ “هنا لبنان”، إلى أنّ “التحريات وعمليات التتبع ستبيّن ما إذا غادر لبنان أم لا”. وقال “هناك توقعات بأنّ ترتيبات حصلت لتهريبه من لبنان قبل أن يغادر السجن، لأنه يعرف تماماً أنه في حال بقي في لبنان سيُعاد توقيفه في أي مكان يختبئ فيه”.
هذا الحادث الذي ستبقى تداعياته لأسابيع طويلة، يكشف بشكل واضح عن مدى ترهّل الدولة، ويكفي الإشارة إلى ما قاله مرجع قضائي لـ “هنا لبنان”، بأنه “إذا كان جهاز أمني غير مؤتمن على حماية موقوف والاحتفاظ به، كيف يؤتمن على مهام أمنية تتعلق بمصير البلد؟”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
سجناء أنصفتهم الحرب! | توقيف “عميل” زوّد “الموساد” بمعلومات عن “الحزب” | وكلاء سلامة مرتاحون لمسار التحقيق.. رُبّ ضارّة نافعة |