مآزق الصبر الاستراتيجي
من مآزق الصبر الاستراتيجي، أنه بات محشوراً بين اتجاه إسرائيلي واضح إلى الحرب، وبين قرار أميركي بحصر الحرب في غزة، مع كل ما يتيح هذا التناقض من تفلت إسرائيلي، ترجمته حكومة الحرب، بتنفيذ اغتيالات، وضرب مواقع إيرانية مؤثرة، وإلحاق خسائر لا يمكن لإيران أن تتعاطى معها وفق قاعدة التجاهل، وغط الرأس في الرمال
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
يتعرض الصبر الاستراتيجي، لاختبارات صعبة مع توالي الضربات الإسرائيلية لقادة الحرس الثوري في سوريا، التي وصلت إلى حد اغتيال ثلة من قادة الحرس، المولجين إدارة معادلة الصبر الاستراتيجي، التي تتضمن في جانب منها، القيام بمعارك تشويش مضبوطة بخطوط حمر، لا تلامس الذهاب إلى حد تعريض النظام الإيراني، لضربة كبيرة قد تودي به.
تتبنى الجمهورية الإيرانية، استراتيجية واضحة منذ العام 1979 وإلى اليوم، مفادها أنّ سلامة النظام لا يمكن ضمانها، إلا بعقد تفاهم عدم اعتداء طويل الأمد مع “الشيطان الأكبر”، والتصرف تحت سقف هذا التفاهم، بحرية شبه مطلقة، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومحاولة مد النفوذ والتأثير، في الدول التي يمكن اختراق أمنها وسيادتها، وقد وضع الملالي في حساباتهم الجديدة، تعريض الأردن لاختبار على أمل تحويله إلى عراق أو لبنان آخر.
هذه الاستراتيجية، اهتزت بعد اغتيال قاسم سليماني، لكنها لم تقع، لأنّ ايران اختارت التعقل وصبرت استراتيجياً، ولم تردّ إلا ببعض الصواريخ الصورية، التي أعلمت بها إدارة دونالد ترامب مسبقاً، كي لا يرد الأميركيون في قلب طهران. في واشنطن كان ترامب في تلك الليلة، ينام مبكراً، مطمئناً إلى أن إيران ابتعلت السم،وأرضت نفسها برد بالكاد يحفظ ماء الوجه، أما في لبنان فقد خرج السيد حسن نصرالله، معلقاً على الرد الإيراني بطريقة فيها الكثير من المبالغة، التي تدعو إلى الضحك، وأرفق تلك المبالغة بإعلان بداية معركة إخراج الوجود الاميركي من المنطقة، وصفقت الجماهير وكبرت، لكن النتيجة بقيت على ما هي عليه.
ويبقى السؤال: ماذا بعد اغتيال قادة الحرس الإيراني في القنصلية التي تقول إسرائيل أنها مقر إدارة عمليات عسكري؟ وهل سترد إيران، وما هو حجم هذا الرد؟
من مآزق الصبر الاستراتيجي، أنه بات محشوراً بين اتجاه إسرائيلي واضح إلى الحرب، وبين قرار اميركي بحصر الحرب في غزة، مع كل ما يتيح هذا التناقض من تفلت إسرائيلي، ترجمته حكومة الحرب، بتنفيذ اغتيالات، وضرب مواقع إيرانية مؤثرة، وإلحاق خسائر لا يمكن لإيران أن تتعاطى معها وفق قاعدة التجاهل، وغط الرأس في الرمال.
إسرائيل تدعو طهران إلى الحرب، والأخيرة تهرب منها، أسوة بما فعلت بعد عملية طوفان الأقصى، حيث اكتفت بحروب المساندة في لبنان والعراق واليمن، مع الاحتفاظ بحقها بلجم أذرعها، عندما تشعر بأنهم تخطوا الخطوط الحمر.
إنه اللعب الإيراني على حبال العلاقة العميقة مع واشنطن، الذي أثبت بعد عملية طوفان الأقصى أنه لا يشكل بوليصة تأمين دائمة، والآن تبدو طهران وجهاً لوجه أمام خيارات صعبة، إلا إذا انكفأت كعادتها، وهذا هو المرجح.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |