صندوق النقد: أي حكومة جديدة ستشكل في لبنان ستحدد العلاقة بيننا وثمة حاجة الى قيادة حاسمة لإتخاذ القرارات
كافة الدول المانحة والمجتمع الدولي وكذلك الدول العربية لا يزالون يطالبون لبنان بمساعدة نفسه قبل مساعدته، واضعين هذا الشرط في مقدمة وأولوية التحرك من أجل إنقاذ لبنان إلا أنّ السلطة السياسية لا تزال تماطل دون أن تحاول وضع أي استراتيجية إقتصادية واضحة من أجل قيامة لبنان من أزمته المالية والإقتصادية
كتبت شهير إدريس لـ”هنا لبنان”:
بعد عامين من الإتفاق مع صندوق النقد الدولي وتقرير المجلس التنفيذي للصندوق العام الماضي، الذي أعلن خلاله أنّ لبنان يواجه أزمة مالية ونقدية سيادية غير مسبوقة معرباً عن بالغ القلق إزاء الأزمة العميقة المتعددة الأبعاد التي تواجهه، ووسط تصاعد الغموض وتفاقم الإنسداد السياسي رئاسياً وحكومياً والخطر الذي يغلف وضع البلاد أمنياً وإقتصادياً، عاد الحديث عن علاقة لبنان بصندوق النقد وإمكانية إنسحابه من الإتفاق على مستوى الموظفين، بسبب عدم تنفيذ لبنان للإصلاحات المطلوبة والتي تعهدت بتنفيذها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بشكل سريع للتوصل إلى الإتفاق الرسمي، حيث وعد صندوق النقد الدولي لبنان بحزمة مالية عبارة عن أكثر من ثلاثة مليارات دولار أميركي لدعم نهوض الإقتصاد والذي سيؤدي بدوره إلى إعادة الثقة وجذب المستثمرين والدول المانحة لمساعدة لبنان.
إلا أنّ التعثر لا يزال سيد الموقف، على الرغم من إقرار بعض القوانين والتشريعات المتعلقة بالإصلاحات المطلوبة في مجلس النواب والتي لا تزال غير كافية لتحقيق ما طلبه الصندوق، في ظل الفساد المستشري والتجاذبات السياسية القائمة وعدم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة قادرة على إتخاذ قرارات مصيرية إضافة إلى التصعيد على جبهة الجنوب التي أثرت بشكل سلبي على الوضع الإقتصادي والمالي الذي تجري محاولات بطيئة للحفاظ عليه عند مستوى محدود كي لا يحصل الإنهيار الكامل.
ومع تصاعد وتيرة الأخبار المتداولة حيال إمكانية إنسحاب صندوق النقد الدولي، صرح نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بأنه “لم يتبلغ أي تحذيرات بخصوص الإتفاق على مستوى الموظفين، مشيراً إلى أنّ موقف الصندوق حيال لبنان لا يزال على حاله من دون تقدم أو تراجع لافتاً إلى أنّ الاتفاق مع الصندوق بات يحتاج إلى تحديث وتطوير ربطاً بالتطورات التي حصلت في السنتين الماضيتين”.
وتزامن هذا الكلام مع وصول المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محي الدين إلى لبنان حيث التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بحضور نائبه سعادة الشامي وجرى البحث في آخر المستجدات المتعلقة بالإتفاق مع لبنان ومراجعة العلاقات بين الجانبين والتحضيرات الجارية للزيارة التي سيقوم بها وفد من لبنان برئاسة نائب رئيس الحكومة منتصف الشهر الحالي إلى واشنطن للمشاركة في إجتماعات الربيع السنوية للصندوق والبنك الدوليين في واشنطن، كما تمت مناقشة ما أنجزته الحكومة من قوانين إصلاحية مثل قانون الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف ومسألة حقوق المودعين، وأوضح المجتمعون لمحي الدين أنّ القوانين التي أقرتها الحكومة أرسلتها إلى مجلس النواب الذي لم يقرّها لأنه غير قادر على التشريع واضعين الكرة في ملعب المجلس النيابي مما يظهر تقاذف المسؤوليات. ونفى محي الدين بدوره بعد الإجتماع أن يكون لدى الصندوق أي توجه لإلغاء الإتفاق الموقع مع لبنان.
وقد سارعت بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان وسفارات الدول الأعضاء الممثلة في بيروت إلى إصدار بيان أسفوا خلاله من عدم تحقيق أي تقدُّم ملموس مؤكدين أنّ لبنان في حال نفذ برنامج خطوات وإصلاحات، كان من شأنه توفير 3 مليارات ودعم إضافي من الدول المانحة يضع لبنان مجدداً على مسار التعافي، ويعيد له صدقيته الدولية.
وأضافوا أنّ الاتحاد الأوروبي يدرك الظروف البالغة الصعوبة التي يمرُّ بها لبنان راهناً، لكن هذا الوضع يمكن أن يشكل دافعاً للتغيير ويجب أن يكون كذلك. وأشاروا إلى أنّ انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة عاملة بصورة كاملة أساسيان. غير أنّ التأخير يجب ألا يعيق تنفيذ الإصلاحات الرئيسية المتفق عليها من أجل استعادة ثقة المجتمع الدولي والمواطنين اللبنانيين في النظام المالي. وقد أظهر اعتماد موازنة عام 2024 ضمن المهل الدستورية، وإصلاح قانون السرية المصرفية واستقرار سعر الصرف أنّ الحلول ممكنة عندما تتوفر الإرادة.
وشددوا على أنّ الإصلاحات الهيكلية ضرورية لتجنيب لبنان الوقوع في شرك حلقة دائمة من الأزمات، وثمة حاجة إلى قيادة حاسمة. ولا يمكن للاستجابات لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان إلا أن تأتي من داخله. وأكد الاتحاد الأوروبي على الوقوف بحزم إلى جانب لبنان وشعبه في التطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً، ووقت العمل هو دوماً الآن.
وللإضاءة على مسألة سحب الإتفاق، إستفسر موقع “هنا لبنان” حول هذه القضية الحساسة وعن العلاقة بين الصندوق ولبنان وكيفية تعامله معه في هذه الفترة من المتحدثة بإسم صندوق النقد الدولي ومديرة إدارة الاتصالات في صندوق النقد الدولي السيدة “جولي كوزاك”، والتي أكدت أنه بعد مرور عامين على التوصل للإتفاق على مستوى الموظفين لم يتم إحراز أي تقدم يذكر في عملية التنفيذ، فيما الصندوق لا يزال مستعداً للتعامل مع السلطات اللبنانية، إلا أنّ الحكومة التي تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة لإتخاذ القرارات وإصدار التشريعات تحتاج إلى أن تقرر شكل المشاركة التي تريدها مع صندوق النقد الدولي، وأشارت كوزاك إلى أن الصندوق في الوقت الحالي يدعم لبنان من خلال تقديم مساعدته الفنية والتقنية في تنمية القدرات في المجالات التي تستطيع السلطات تحقيق تقدم فني فيها بما في ذلك الإطار القانوني للرسوم الجمركية، والسياسة الضريبية، وإعداد التقارير المتعلقة بالميزانية.
ورداً على سؤال حول تقييمها لتأثير الصراع والتصعيد في جنوب لبنان جراء الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة، إعتبرت أنّ الصراع الحالي في غزة وإسرائيل أدى أيضاً إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش في لبنان، وقد تسبب الصراع في خسائر بشرية فادحة، كما ألحق أضراراً في البنية التحتية، حيث تأثرت الطرق والجسور وخطوط الكهرباء وشبكات المياه في جنوب لبنان، مما أثر كذلك على توافر وسائل النقل والكهرباء والمياه.
إذاً المسألة ليست فقط في موضوع سحب الإتفاق من عدمه بل إنّ كافة الدول المانحة والمجتمع الدولي وكذلك الدول العربية لا تزال تطالبون لبنان بمساعدة نفسه قبل أن تساعده، واضعة هذا الشرط في مقدمة وأولوية التحرك من أجل إنقاذ لبنان إلّا أنّ السلطة السياسية لا تزال تماطل ولا تحاول وضع اي إستراتيجية إقتصادية واضحة من أجل قيامة لبنان من أزمته المالية والإقتصادية وتعمل على حلول جزئية وغير مستدامة بإنتظار تسوية من هنا أو هناك مستفيدين من التطورات الجارية جنوباً وإمكانية حصول الحرب.