العرب أيضاً يريدون رأس “حماس”
العرب يفكرون في “اليوم التالي”، في حال انتصار هذه حركة “الإخوان المسلمين” في غزة، إذ أنّ هناك عداء شرساً بين الحركة وبين أنظمة الحكم في ثلاث دول عربية محاذية لإسرائيل: مصر والأردن وسوريا، أما لبنان فيبقى تعاطيه مع “الإخوان المسلمين” ملتبساً.. وسيتجنب قادة هذه الأنظمة حصول أي انقلاب أياً كانت الظروف والأثمان
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
هناك قطبة مخفية في الحرب الدائرة اليوم في غزة، وهي أنّ القيادة الفلسطينية في رام الله والقادة العرب (باستثناء قطر) لا يريدون لـ”حماس” أن تنتصر، بل إنهم يجدون في هذه الحرب فرصة ثمينة للتخلص من الخطر الذي تمثله الحركة على المستويين الفلسطيني والعربي الشامل. وهذا الأمر تبلغته إسرائيل والولايات المتحدة والأوروبيين من هؤلاء القادة بشكل مباشر وغير مباشر، على مدى الأشهر الستة الماضية.
بالتأكيد، هذا لا يعني أنّ القيادة الفلسطينية والقادة العرب يوافقون على مشروع التدمير والتهجير الذي يعتمده بنيامين نتنياهو في غزة. فهُم يطالبون المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لتحصر عملياتها القتالية بحركة “حماس”، وتوقف استهداف المدنيين أو تهجيرهم.
وهذا الشرط العربي استجابت له إدارة جو بايدن. ولذلك، هي تضغط على نتنياهو كي يتجنب ارتكاب تجاوزات فادحة بحق المدنيين في رفح، ويعتمد أسلوب العمليات العسكرية المركزة ضد “حماس”. وتريد واشنطن بموقفها أن تحتفظ برصيدها لدى العرب، وتقطع الطريق على أيّ استغلال من جانب موسكو أو بكين.
وقد أعلن نتنياهو التزامه الضوابط الإنسانية، ولكنه فعل ذلك من باب المناورة على الأرجح. فعلى أرض الواقع، سيتذرّع بأنّ الضحايا المدنيين سقطوا اضطرارياً، لأنّ مقاتلي “حماس” يتغلغلون في الأنفاق تحت المباني السكنية، وبأنّ هناك إجماعاً دولياً وعربياً على المطالبة بالتخلص من “حماس”.
المحللون العسكريون يقولون: في الأساس، من المستحيل أن تتمكن “حماس” من الانتصار في الحرب الحالية. فعلى مدى 6 أشهر من الحرب، تمكن الإسرائيليون من إضعافها إلى حدٍّ كبير. وإذا استمرت الحرب شهوراً أو سنوات أخرى، فسيكون مؤكداً أنّ “حماس” ستتلاشى نهائياً كتنظيم مقاتل، وقد لا يبقى منها سوى بعض الخلايا التي تتحرك هنا أو هناك.
ولكن، في أيّ حال، العرب المتضرّرون من أيّ انتصار قد تحققه “حماس” يترصدون مسار الحرب باهتمام بالغ: في الدرجة الأولى، تجد السلطة الفلسطينية مصلحة في إضعاف “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وإعادة غزة إلى “بيتِ الطاعة” الواحد في رام الله.
كما أنّ هناك عداءً شرساً بين حركة “الإخوان المسلمين”، التي تُعتَبر “حماس” ذراعها الفلسطينية، وأنظمة الحكم في 3 دول عربية محاذية لإسرائيل: الأولى هي مصر التي تترصد فلول الخلايا “الإخوانية” بكثير من الدقة والتأني. والثانية هي الأردن التي شهدت أخيراً حراكاً في الشارع يهدد استقرارها، وللإخوان دور فيه. والثالثة هي سوريا حيث المواجهة تاريخية وقاسية بين النظام و”الإخوان المسلمين”، إلى حدّ وصفها بمعركة حياة أو موت. وفي الموازاة، يمكن التساؤل عن مدى صحة المعلومات المتداولة في بعض الأوساط، ومفادها أنّ خروقاً أمنية محتملة، ربما سهلت الضربات الإسرائيلية المتتالية، التي استهدفت قادة عسكريين إيرانيين في دمشق.
وأما لبنان فيبقى تعاطيه مع “الإخوان المسلمين” ملتبساً. فهو واقع تحت نفوذ إيران الداعمة لـ”حماس”، لكن “الجماعة الإسلامية” التي تتشارك العقيدة مع “حماس” ليست هي الذراع الأساسية للطائفة السنية في لبنان، كما أنّ المواجهة الجارية مع إسرائيل يقودها “حزب الله” وحده. وأما دول الخليج العربي، باستثناء قطر، فمعروف حرصها الشديد على منع أي نمو لـ”الإخوان”، وأي نشاط لهم على أراضيها.
إذاً، العرب يفكرون في “اليوم التالي”، في حال انتصار هذه الحركة في غزة. ويخشون أن تحظى بعواطف الشارع العربي العريض، من فلسطين والأردن ومصر وسوريا إلى الخليج وشمال إفريقيا، ما يهدد بتغيير الواقع السياسي، بدءاً بالسلطة الفلسطينية ومروراً بالكثير من الأنظمة العربية، ما يقود إلى انقلاب في التوازنات الإقليمية. وسيتجنب قادة هذه الأنظمة حصول هذا الانقلاب، أياً كانت الظروف والأثمان.
وفي أيّ حال، واقعياً، يستحيل على “حماس” أن تنتصر في الحرب الحالية، لأنّ ميزان القوى العسكرية يَرْجَح بقوة لمصلحة إسرائيل، خصوصاً إذا طال أمد الحرب. وأيّ تسوية سياسية منتظرة ستتضمن ثابتة أساسية هي إنهاء نفوذ الحركة في غزة. وأما احتمالات العودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول 2023، بمعطياتها السياسية والعسكرية، فهي تقارب الصفر، بسبب إصرار العرب والإسرائيليين والأميركيين والأوروبيين على منع ذلك. وهذه الحتمية ربما هي التي بدأت تدفع بحلفاء إيران و”الإخوان المسلمين” إلى البحث عن هامش جديد لتحركهم، على أرض الأردن.
مواضيع مماثلة للكاتب:
صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً | استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة |