لماذا سارع نصرالله إلى اتهام القوات والكتائب باغتيال قواتي؟

واضح أنّ الجريمة طابعها سياسي والهدف منها إشعال الفتنة مجدداً، كما حصل في العام ١٩٧٥، وتحويل الأنظار عما يجري في الجنوب وعن الشلل الذي تغرق فيه السلطة في لبنان، رئاسة وحكومة ومؤسسات، منذ نحو سنة ونصف السنة لأنّ “الحزب” وحليفته أمل يريدون فرض الرئيس الذي يريدون

كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:

يبدو أنّ تاريخ ١٣ نيسان ١٩٧٥ ليس مجرد ذكرى تتكرر في كل عام بطبيعة الحال، وإنما يشعر اللبنانيون أنه يتكرر فعلياً أغلب الأعوام منذ ٤٩ سنة نتيجة ما يحصل من أحداث تواكب الذكرى أو تسبقها أو تتبعها.

فحال الهلع التي عمت لبنان هذه الأيام وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وخيمت في النفوس، تحولت إلى شبح يؤرق اللبنانيين لدرجة أنّ أحدهم كتب على صفحته الشخصية: “لا ننام منذ ليلتين خوفاً من تكرار هذا التاريخ!”

هذا ليس مجرد وهم أو خوف، بل تحول إلى واقع بسبب الحرب العبثية في الجنوب، ومن ثم الجريمة البشعة التي ذهب ضحيتها باسكال سليمان. إنّ ما يجري في الجنوب منذ أشهر وما زال مستمراً هو جراء المعركة التي أقحم “حزب الله” نفسه في ما أسماه “مشاغلة” إسرائيل دعماً للهجوم الذي شنته “حماس” قبل ستة أشهر (٧ تشرين الأول)، وهي التي يقيم بعض قيادييها وجزء من قواعدها على الأراضي اللبنانية، ويتدربون ويشنون هجماتهم على إسرائيل مكررين تجربة من سبقهم من التنظيمات الفلسطينية، متناسين ما حصل لهم وللبنان من ويلات في الماضي، في حين إسرائيل ما زالت كما هي بل أقوى وأشرس مما كانت عليه. تجاوز اليوم عدد الضحايا الفلسطينيين ٣٣ ألفاً والمصابون ٦٥ ألفاً، عدا عن المهجرين من أهالي غزة، فيما لامس عدد المهجرين اللبنانيين من الجنوب المئة ألف والضحايا بالمئات، إضافة إلى الخراب والدمار. فعلى ماذا حصل الفلسطينيون؟

أما الجريمة التي عاشها اللبنانيون هذه الأيام وأرجعتهم إلى مناخ وهول ما حصل عام ١٩٧٥ هي اغتيال منسق حزب “القوات اللبنانية” في قضاء جبيل الذي غدر به وهو عائد من واجب عزاء في جرد منطقة جبيل، وقيل بداية إنها عملية سرقة لسيارته كونه انتهى جثة داخل الأراضي السورية، على اعتبار أنّ محترفي هذه السرقات المنظمة ينسقون مع أمثالهم في سوريا. علماً أنه لم يحصل أن قتل صاحب سيارة عند سرقتها. واضح طبعاً أنها جريمة طابعها سياسي والهدف منها إشعال الفتنة مجدداً، كما حصل في ١٩٧٥، وتحويل الأنظار عما يجري في الجنوب، وعن الشلل الذي تغرق فيه السلطة في لبنان، رئاسة وحكومة ومؤسسات، منذ نحو سنة ونصف السنة لأنّ “حزب الله” وحليفته أمل يريدون فرض الرئيس الذي يريدون، كما فعل حزب الله في المرة الماضية عندما فرض ميشال عون رئيساً بعد فراغ دام سنتين ونصف السنة. إلا أنّ الأمور هذه المرة تبدو أكثر تعقيداً لأن الحليف العوني لم يعد حليفاً، ما أدى إلى تعرية “حزب الله” من الغطاء المسيحي الذي تلطى فيه أكثر من ستّ عشرة سنة. حتى أنّ الصهر العوني الذي يمسك اليوم بالتيار يميل إلى إعادة التموضع مسيحياً، برفضه الحرب جنوباً وتركيزه على وحدة المسيحيين كشرط للوحدة الوطنية، وفور حصول جريمة اغتيال سليمان أدانها وتياره متضامناً مع القوات، وسارع نوابه ومسؤولوه إلى جبيل للوقوف إلى جانب “القوات” الذين أكسبتهم الجريمة تعاطفا مسيحياً من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال.

أعادنا ما حصل إلى مناخ ١٩٧٥ وإلى حمى التضامن المسيحي في وجه السوري (بدل الفلسطيني) جراء الحملة التي شنت على السوريين النازحين إلى لبنان فور وقوع الجريمة.

غير أنّ اللافت والمثير كان في لجوء زعيم “حزب الله” فور حصول الجريمة وقبل أن ينتشر خبر مقتل سليمان إلى شنّ هجوم لاذع على حزب القوات اللبنانية وعلى حزب الكتائب متهماً إياهما بالسعي إلى الفتنة، وأنهما عملا ضمن الجبهة اللبنانية، التي كانت تضمّ معظم زعماء الموارنة ما عدا ريمون اده، للاقتتال بين اللبنانيين منذ اندلاع الحرب الأهلية عام ١٩٧٥. والغريب في الأمر أنّ نصرالله رغم كل الأحداث والجرائم التي كانت تحصل لم يكن يسارع إلى اتهام أحد مسبقاً ويدعو إلى انتظار التحقيق، فما الذي تغيّر يا ترى؟

مواضيع مماثلة للكاتب:

برّي يفاوض.. أين المعارضون؟!

“الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض

وليد جنبلاط… السهل الممتنع