الهزل في باب الجد
لم يكن هم واشنطن وتل أبيب وطهران تجنب المواجهة، فهذه اتفقوا عليها وكانت العقدة جعل جميع أطراف الأزمة رابحين معنوياً، وبدت طهران الأكثر حرجاً، فبعد عقود من التلويح بتحرير القدس، وإنشاء جيش لديها لتنفيذ هذه المهمة.. وها هي الفرصة تسنح
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
أما وقد انتهت المسرحية إلى هزل في باب الجد، ولم تنطلِ حبكتها إلّا على تابعي إيران، ولفيف الممانعة، التي سقطت بسقوط المسيّرات الإيرانية، فإنّ أصدق ما يعبّر عما حدث هو، في البدء، ما حفلت به وسائل التواصل الاجتماعي من تعليقات أستعيرها هنا مع الاعتذار سلفاً من أصحابها على عدم إيراد أسمائهم لغياب تواقيعهم عليها.
كتب أحد “المتواصلين” الآتي: أولاً انتهت المسرحية وتم إسقاط جميع الطائرات الإيرانية المسيرة قبل أن تصل إسرائيل!
والنتيجة:
– التغطية على الجرائم في غزة وإبعاد أنظار العالم عنها
– تخفيف الضغط العالمي على إسرائيل
– توحيد جبهة إسرائيل الداخلية بعد اقتراب تشتّتها
– قبلة الحياة لنتنياهو
– رد فعل كارثي سيكون على لبنان وسوريا والعراق وفلسطين
في النهاية استفادت إسرائيل جداً من هذه المسرحية العبثية.
وكتب آخر: عدد الصواريخ الإيرانية على إسرائيل: 100 صاروخ
– عدد القتلى: 0
– عدد الجرحى: 0
– مستوى الأضرار: 0
– عدد الذين ماتوا من الضحك: سكان الأرض
وأضاف: في العمل المسرحي هناك ممثلون، مخرجون، ومنتجون وكاتب وكلهم اجتمعوا ليضحكوا على الجمهور، ودائماً نحن من الجمهور!
وكتب آخر:
– إسرائيل قصفت سفارة إيران في دمشق وقتلت ٧ من قادة الحرس الإيراني
– إيران قررت أنها سترد على الهجوم، وحسب بعض الوسائل أنها اتّفقت مع أميركا على الرد
– CNN ورويترز قبل ساعتين من إطلاق المسيّرات: “إيران نفذت أكبر هجوم بالمسيرات في العالم”
– وسائل إعلام إسرائيلية: “طلب رئيس الولايات المتحدة من رئيس وزراء النظام الصهيوني الامتناع عن الرد على الهجوم الانتقامي الإيراني”.
لم يكن هم واشنطن وتل أبيب وطهران تجنب المواجهة، فهذه اتفقوا عليها منذ تصريح بايدن باستعداده للدفاع عن إسرائيل، وإعلان دعمها تسليحاً، وديبلوماسية، وكانت العقدة جعل جميع أطراف الأزمة رابحين، معنوياً، تحديداً عند جمهور كل منهم، وبدت طهران الأكثر حرجاً، فبعد عقود من التلويح بتحرير القدس، وإنشاء جيش لديها لتنفيذ هذه المهمة، ها هي الفرصة تسنح، وتوسط طهران واشنطن للجم الحرب الشفهية، قبل أن تتحول إلى فعلية تدميرية.
أنقذت واشنطن طهران من لحظة امتحان، ولكي تغلف خيبتها، وتغطي يتمها، كان لا بدّ من صواريخ كاتيوشا تطلق من جنوب لبنان، بلا أضرار، ومن اليمن، بلا مردود. فالجمهور عاوز كدة، على قول مخرجي أفلام زمن الانفتاح في مصر.
الأكيد أنّ طهران احتلت، بهذا الاستعراض، مقعداً لها، ولو ثانوياً، إلى طاولة ترسيم المنطقة في يالطا جديدة، وليس أدلّ إلى ذلك من تصريح المستشار العسكري للزعيم الإيراني علي خامنئي الذي حوّل المواجهة مع الشيطانين الأكبر والأصغر، إلى مواجهة في علمي النفس والاجتماع، بالقول: نفذنا “عملية نفسية وإعلامية” ناجحة ضد إسرائيل. أي أنّ المقبل من الأيام لن يحمل سوى تراشق كلامي، يفرغ التهديدات السابقة لإسرائيل من أيّ شبهة جدية.
والأكيد، أيضاً، أنّ طهران وإسرائيل، وواشنطن، طبعاً، رمت بمقاومة غزة واستبسال شعبها، إلى المسرح الخلفي للأحداث، وسرقت الأضواء عن فظائع إسرائيل ضد الفلسطينيين، وأهّلت إيران نفسها لتكون الناطق باسم القضية الفلسطينية، وما لا تناله باستعراضات القوة، تحصّله بالمقايضة السياسية، وبالقدرة على المساومة، وهذه حِرفة إيرانية منذ زمن كسرى.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |