الخلافات تتفاقم بين المسيحيين و”الحزب”… مشروعان لا يلتقيان أبدا
مشروع “الحزب” وقف حجر عثرة أمام أي تفاهم لبناني، فالحزب يمثل مشروع ولاء إيراني اولاً، ما يعني عدم انسجام في النظرة إلى الكيان اللبناني، وهذا ما وضعه في خلاف دائم مع المسيحيين الذين ينظرون إلى لبنان نظرة مغايرة يسودها مثلث السيادة والحرية والإستقلال
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
على الرغم من استطاعة حزب الله استمالة التيار الوطني الحر لسنوات، وتقربّه منه بحثاً عن دعم مسيحي لسلاحه ووجوده، وعدم قدرته على استمالة القسم الاكبر من المسيحيين، إلّا أنه خسر منذ فترة ذلك الدعم العوني، بسبب هشاشة العلاقة القائمة على المصالح الخاصة المتبادلة، فلا شيء يدوم والمصالح لا بدّ أن تفترق يوماً وهكذا كان.
فحزب الله أو المقاومة الإسلامية في لبنان، تقودها إيران من خلال الإيدولوجية الخمينية وولاية الفقيه، وهذا ما أكده الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله من خلال تصريحاته “بأنّ مشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره، كوننا مؤمنين عقائديين، هو مشروع دولة إسلامية، وأن يكون لبنان جزءاً من الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق، الولي الفقيه الإمام الخميني”.
هذا المشروع وقف حجر عثرة أمام أي تفاهم لبناني، الذي رأى بحزب الله مشروع ولاء إيراني أوّلاً، ما يعني عدم انسجام في النظرة إلى الكيان اللبناني، وهذا ما وضع الحزب في خلاف دائم مع المسيحيين، الذين ينظرون إلى لبنان نظرة مغايرة يسودها مثلث السيادة والحرية والإستقلال، الشعار الذي لطالما رفعه المسيحيون إلى جانب شركائهم في الوطن، وإن اختلفت الطريقة عند البعض، لكن الشعار المذكور جمعهم في ثورة الأرز في 14 آذار 2005، فيما قاد حزب الله حينها الخط الممانع، فعمل على إقصاء تلك الثورة، لكنه فشل بسبب تضامن أغلبية اللبنانيين حولها، فوقفوا ضد إيديولوجياته التي لا تمتّ بصلة إلى الكيان اللبناني.
تناقضات كثيرة بين المسيحيين وحزب الله
هذا الشرخ الخطير تصدّى له المسيحيون عبر أحزابهم السيادية، التي تعمل على استعادة الحضور المسيحي الحر، والحفاظ على وجوده وتعزيزه، بعد سيطرة الدويلة على الدولة من خلال سلاحها غير الشرعي، واستفرادها بأخذ القرارات المصيرية وفي طليعتها قرار الحرب، والسيطرة على مؤسسات الدولة والتحكّم بها، وعرقلة الانتخابات الرئاسية عبر فرض مرشحها الرئاسي، وإلا لا انتخابات رئاسية.
كما برزت الخلافات بين المسيحيين وحزب الله، على مبدأ الحياد والتشديد على تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان، ورفض كل أشكال التوطين والتجنيس، والعمل على إعادة أراضي المسيحيين المصادرة من قبل الحزب والفاعليات الشيعية الحاضنة له. هذا غيض من فيض، والتناقضات كثيرة وقائمة على مشروعين لا يلتقيان ولن يلتقيا أبداً.
أولى الخلافات: الاستيلاء على أراضي بكركي في لاسا
إلى ذلك شكلّت عمليات الاستيلاء على أراضي البطريركية المارونية، في بلدة لاسا في أعالي جبيل منذ العام 2001 خلافات كبيرة مع حزب الله، وعادت بقوة في العام 2014 في مختلف أنحاء المنطقة، حيث تم الاستيلاء على مساحات شاسعة في منطقة عين الغويضة القريبة من لاسا، ما شكل نقضاً للاتفاق الذي تم بين الطرفين، حول وضع حد للتعدّيات ومنع البناء العشوائي عليه، فكانت النتيجة تشييد منازل ومدافن في أرض تابعة للبطريركية في لاسا، وامتدت هذه العمليات إلى مناطق أخرى، من ضمنها رميش البلدة الجنوبية الحدودية.
غزوة الطيونة وعين الرمانة
كما برزت غزوة الطيونة وعين الرمانة في 14 تشرين الأول 2021، كمنعطف طائفي خطر بين المسيحيين والحزب، بعد اجتياح عدد كبير من مسلحيه إلى جانب عناصر من حركة أمل للمنطقتين، والتعرّض للأهالي خلال تظاهرة مسلحة ضد المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق بيطار، فحصلت اشتباكات ومواجهات مع الأهالي وشباب ينتمون إلى الأحزاب المسيحية المعارضة، ونتج عن تلك الغزوتين القضاء على شعرة معاوية بين المسيحيين وحزب الله.
شاحنة الحزب وكوع الكحالة
في السياق شهدت بلدة الكحالة في 10 آب 2023 حادثة أمنية خطرة، كادت أن تفجّر الوضع وتُحدث مواجهة طائفية، على إثر سقوط شاحنة للحزب محمّلة بالأسلحة والذخائر وتصدّي الأهالي لهم، الامر الذي أدى إلى سقوط الغطاء المسيحي كليّاً عن حزب الله، ولم يعد قادراً على إخفاء سقطاته مع المسيحيين، فظهر عمق الأزمة بوضوح، وهذا ما يبرز كل أحد عبر عظة البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي ينتقد مشروع الحزب وسلاحه.
كما تنقلت المشاهد القاتمة إلى عين إبل، في قضية مقتل القيادي القواتي الياس الحصروني، الذي خطف وقتل ووجهّت الاتهامات إلى الحزب من قبل بعض الأطراف، ومن ثم توقف التحقيق، وصولاً إلى مقتل منسق القوات اللبنانية في منطقة جبيل باسكال سليمان على أيدي عصابة سورية، تردّد أنّ فريقاً سياسياً يتلطى وراءها.
في الختام لا بدّ أن يتوحّد اللبنانيون بمختلف طوائفهم، وينادوا بمشروع الدولة القوية القادرة على فرض سلطتها على كامل أراضيها وإعادة دورها، لإنقاذ لبنان من اتجاهه الإيراني وذوبانه في ذلك المحور.