صورة بري وتطيير الانتخابات البلدية
إذا كان تأجيل الاستحقاق البلدي سيمضي قدماً، ضارباً باعتراض القوى السيادية عرض الحائط، فمن باب أولى بـ “الديك” الذي يهيمن على مقادير البرلمان أن يصارح اللبنانيين بأنّ “الحرب” في الجنوب هي ذريعة لا تنطلي على العقلاء، وإنما التأجيل لغاية في نفس “ديوك” هذا الزمن
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
عندما يجتمع مجلس النواب هذا الأسبوع لإقرار اقتراح القانون المعجل لإرجاء الانتخابات البلدية، سيرد في الأسباب الموجبة أنّ الداعي للارجاء هو “الحرب”. والاعتقاد السائد هو أنّ “الحرب” هي تلك الناشبة حالياً على الحدود الجنوبية. لكن ماذا لو كانت هناك “حرب” أخرى لم يشر إليها اقتراح القانون؟
يوم الجمعة الماضي في 19 نيسان الجاري ، كشفت بلدية الغبيري عن معطى مهم يتصل بالعلاقات بين طرفيّ الثنائي الشيعي ، أي حركة “أمل” و”حزب الله”. ويتبين من ورائه أن هناك حرباً من نوع لا صلة لها على الإطلاق بتلك الجارية بين “الحزب” وإسرائيل. وهذه الحرب التي تدور بين “الإخوة” في الضاحية الجنوبية لبيروت تعكس تناقض المصالح بين الفريقيّن. علماً أنّ “الحركة” و”الحزب”، هما معاً الفريق المؤثر في تطيير الاستحقاق البلدي. وانضم إليهما رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي يواجه بدوره “حرباً” من نوع آخر، ألا وهي تراجع شعبيته المسيحية.
ما الذي كشفته بلدية الغبيري، والتي تعد واحدة من أكبر البلديات في لبنان؟ تقول البلدية في بيانها الصادر أول من أمس: “منذ بداية شباط ٢٠٢٤، بدأت بلدية الغبيري مشروع تجميل وترتيب وسطية طريق عام الأوزاعي ضمن نطاقها البلدي”.
أضاف: “صباح (يوم الجمعة الماضي) ، قام قسم الأشغال في البلدية بإزالة قاعدتيّن لإطارين حديديين. وبحسب أرشيف الصور، وإفادة رئيس قسم الأشغال ووكلاء ورشة الأشغال، لم يكن على أي من الإطارين أي صورة لدولة الرئيس نبيه بري او شهداء حركة “امل”. كما سبق ذلك، إبلاغ الأخ مسؤول العمل البلدي في “أمل” بنيّة البلدية إزالة هاتين القاعدين وغيرها من العوائق والحواجز الاسمنتية تنفيذا لمشروع التجميل. ما لم يكن في الحسبان وقع. اذ عمد أشخاص إلى تصوير صورة مرمية لدولة الرئيس بري، ونشرها على وسائل التواصل متهمين عمال الأشغال في بلدية الغبيري بإزالة الصورة وصولاً إلى اتهام رئيس البلدية بأنه وراء قرار إزالة الصورة ورميها. تلا ذلك سيل من الاتصالات حول مخاطر ما جرى وبدأت تتوسع دائرة الاتهام حتى كدنا نشعر ان “معركة الصورة” بدأت وقد تتحول إلى فتنة”.
وخلص البيان إلى القول انه “تم إبلاغ عمال قسم الأشغال ووقف كافة الأعمال على طول طريق عام الأوزاعي والأحياء المحيطة حفاظاً على سلامتهم الشخصية، وعدم التعرض للآليات، إبلاغ عناصر الشرطة البلدية وقف إزالة كافة المخالفات على طول الطريق وعدم الاستجابة لأي شكوى من أصحاب المحال لإزالة العربات والبسطات التي تقام بالقوة أمام محالهم، إبلاغ الاخوة في حركة “امل” مضمون هذه القرارات لحين إمساك الشارع حفاظاً على سلامة عمال الأشغال والشرطة البلدية ورفع الغطاء عن كافة المنتفعين وكشف المتسببين ومن ساعد لتأجيج الفتنة”.
لا بد من التوضيح أن البلدية محسوبة على “حزب الله”. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ نفوذ حركة “أمل” ما زال قائماً في مناطق عدة من الضاحية الجنوبية بما في ذلك الأوزاعي والشياح وغيرهما. وما يسمى “نفوذ” ، اعتبره بيان بلدية الغبيري الأخير شيئا آخر. وقد جاء في البيان :”كل هذه المخالفات وغيرها ترتكب لمصلحة بعض “ديوك الاحياء” وبعض “المتظللين” بالأحزاب والمنتفعين هم وأزلامهم الذين يقومون بحكم الامر الواقع بتأمين الغطاء للأجانب وخاصة للسوريين من خلال تأجيرهم عربات وبسطات مقابل آلاف الدولارات شهريا”.
من يقرأ بيان بلدية الغبيري، يظن أنّ “الجرة انكسرت” بين فريقيّ الثنائي الشيعي. لكن، استناداً إلى سجل حافل بالتجارب في مناطق نفوذ الحليفيّن في الضاحية الجنوبية وخارجها، يتبيّن ان أصحاب القرار في الفريقيّن يتدخلان في الوقت المناسب كي تبقى الفوضى على ما هي عليه تحت سقف “التحالف الاستراتيجي” بينهما الذي يعلو على ما عداه.
سبق لكاتب هذه السطور ان أشار في مقال سابق حمل عنوان “ما يعجز “الحزب” عنه في الضاحية” ، ان سلط الأضواء على أحوال بلدية الغبيري. حتى ان البلدية ، وفي بيان صادر عنها في تموز الماضي ان تحدث باللغة نفسها التي اعتمدها في بيان الأخير. وبعض ما جاء في البيان السابق: “إنّ حالة بعض السلاح بأيدي بعض المنتفعين واستقوائهم شكّل في الغبيري ظاهرة جعلت لكلّ حي مرجع و”ديك” يفرض سطوته بقوة ودعم من جماعة المنتفعين من هذا “الديك”، وباستقواء لفرض خوات وتعديات على الأملاك العامة والخاصة والتدخل لمصلحة من يدفع ضد من لا يقوى على الاعتراض، فسلبت حقوق وأهينت كرامات واستبيحت أملاك وفرضت سطوة أصحاب اشتراكات الكهرباء واشتراكات المياه والإنترنت والستالايت وصهاريج مياه” .
ماذا بعد؟ اذا كان تأجيل الاستحقاق البلدي سيمضي قدما ضاربا باعتراض القوى السيادية عرض الحائط ، فمن باب أولى ب”الديك” الذي يهيمن على مقادير البرلمان ان يصارح اللبنانيين بأن حجة “الحرب” في الجنوب هي ذريعة ، لا تنطلي على العقلاء، وانما هي لغاية في نفس “ديوك” هذا الزمن.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |