“إتفاق القاهرة”.. بين لبنان و”النازحين السوريين”
هناك إجماع على أنّ مخيمات النازحين السوريين “تسلحت وتعسكرت”، ومَن يدري؟ فقد تطالب بـ “تنظيم وجودها المسلَّح” على غرار ما فعل اللاجئون الفلسطينيون منذ نصف قرن، فهل يكون لبنان أمام “اتفاق قاهرة” جديد؟
كتب جان الفغالي لـ”هنا لبنان”:
لماذا التاريخ في لبنان يعيد نفسه على شكلِ مأساة؟ ولماذا لا يتعلم المسؤولون اللبنانيون من أخطائهم لئلا يقعون فيها مرةً تلو المرة؟
ما يجري اليوم بين اللبنانيين والنازحين السوريين، شبيه إلى حدٍّ كبير بما جرى بين اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين، والذي أدى إلى انفجار الحرب اللبنانية التي دفع اللبنانيون والفلسطينيون، على حدٍّ سواء، ثمنها.
جاء الفلسطينيون لاجئين، منذ نكبة 1948، استضافهم اللبنانيون في خيَم، تحوَّلت إلى مخيمات، مؤقتة، (والمؤقت في لبنان دائم)، وكلما طال الوقت، كلما باتت عودتهم صعبة، لا بل مستحيلة.
تعاقبت الحروب العربية الإسرائيلية، وأدرك الفلسطينيون، أنه يستحيل على الأنظمة العربية خوض حربهم مع إسرائيل عنهم، فقرروا التسلح وإنشاء “جيشهم الخاص”، الكفاح المسلّح أو جيش التحرير الفلسطيني.
بدأ المشروع من لبنان، باعتباره “الخاصرة الرخوة” بين كل دول المواجهة، فلا مصر تسمح لهم بالتسلح ولا سوريا ولا الأردن. بدأ التسلح الفلسطيني في لبنان إثر نكسة حزيران 1967، وبدأت، رويداً رويداً الصدامات مع الجيش اللبناني، وبلغت الذروة في ربيع العام 1969 التي على أثرها استقال رئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي الذي لم يعد عن استقالته إلا بعد توقيع “اتفاق القاهرة” الذي يعطي الفلسطينيين “حرية العمل العسكري” وشنّ عمليات من الجنوب ضد إسرائيل، ويحدد طرق التنقل بالسلاح بين المخيمات، ولا سيما بين مخيمات بيروت والجنوب. هكذا صار الفلسطينيون يتنقلون بأسلحتهم، بموجب اتفاق، بعدما كانوا يتنقلون به بحكم الأمر الواقع، قبل توقيع اتفاق القاهرة. فظهرت الأسلحة في كل المخيمات الفلسطينية آنذاك، من تل الزعتر إلى جسر الباشا إلى الضبية إلى صبرا وشاتيلا إلى عين الحلوة والرشيدية، إلى سائر المخيمات التي تحولت إلى ثكنات عسكرية لكل الفصائل الفلسطينية المسلحة.
كأننا اليوم أمام المشهد ذاته، ويكفي أن نزيل كلمتي “اللاجئون الفلسطينيون”، ونضع مكانها “النازحون السوريون” حتى يكتمل المشهد:
لبنان هو “الخاصرة الرخوة”: 330 كيلومترًا هو طول الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا، على رغم مرور ثلاثة عشر عامًا على “الثورة السورية” التي تحوَّلت إلى “حروب سورية”، يستمر النزوح السوري إلى لبنان قائمًا: أكثر من مليوني نازح سوري موجودون في لبنان، والعدد إلى ازدياد في ظل الحدود السائبة. وكما “اللاجئين الفلسطينيين” تعسكرت مخيماتهم وطالبوا باتفاق لتنظيم وجودهم المسلح، قد يصل النازحون السوريون إلى هذا الواقع، بأسرع مما وصل إليه اللاجئون الفلسطينيون الذين استغرقت رحلة تسلحهم عشرين عامًا، من 1948 إلى 1968، فيما النازحون السوريون احتاجوا إلى نصف هذه المدة، من 2011 إلى 2024، وهذه الحقائق يكشفها ويحذر منها مسؤولون معنيون: وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار كشف في حديث تلفزيوني مطلع هذا الشهر عن أنّ نسبة معينة من النازحين، باتت تملك السلاح، وهناك “خلايا نائمة” بينهم.
محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، كشف “أنّ ثمة عناصر من النازحين السوريين يمتلكون الأسلحة النارية في مخيمات بلدة كوبَّا البترونية، والتقارير تؤكد أنّ أصوات الطلقات النارية تسمع بين الحين والآخر في تلك المخيمات خلال فترات الليل، وأنّ بعض هذه المخيمات تحتضن عناصر متطرفة ومسلحة.
نائب رئيس التيار الوطني الحر الدكتور ناجي حايك يدق ناقوس الخطر فيتحدث عن الداخلين خلسة، وهؤلاء جميعًا يشكلون خطرًا أمنيًا وديمغرافيًا، والخوف هو من أن يُسلح القسم المدرب منهم الذين قد يصل عددهم إلى 200 ألف مقاتل، قد يعمدون إلى إثارة مشاكل أمنية كبيرة أو إلى إقامة أمن ذاتي داخل الدولة اللبنانية.
بين وزير الشؤون الإجتماعية ومحافظ الشمال ونائب رئيس التيار الوطني الحر، وهذه عينة من المواقف المبنية على وقائع، هناك إجماع على أنّ مخيمات النازحين السوريين “تسلحت وتعسكرت”، ومَن يدري؟ فقد تطالب بـ “تنظيم وجودها المسلَّح” على غرار ما فعل اللاجئون الفلسطينيون منذ نصف قرن، فهل يكون لبنان أمام “اتفاق قاهرة” جديد، هو هذه المرة مع النازحين السوريين، بعدما كان اتفاق القاهرة عام 1969 مع اللاجئين الفلسطينيين؟
يحدث كل شيء في لبنان، لأنه “الخاصرة الرخوة”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة | تدمير تحت الأرض.. دمارٌ فوق الأرض |