من تشاطر على اللبنانيين أوروبا أم ميقاتي؟
هل التمويل الأوروبي هو لقضاء حاجات لبنان الاجتماعية والتربوية والصحية كما أعلنت فون دير لاين مع “رشوة” أراد رئيس الحكومة استعمالها بإعلانه أنّه “تمكّن” من الحصول على قرار بتسهيل سفر من يرغب من اللبنانيين للعمل في أوروبا؟ أم يريد رئيس الحكومة أن يطمئن اللبنانيين أنّ هذه المبالغ ستُصرف من أجل إعادة النازحين من خلال تنسيق المسألة مع النظام السوري من دون مراعاة للجانب القانوني والإنساني؟
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
هل حصل لبنان على تمويل أوروبي لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، أم أنّ أوروبا أغرت السلطة اللبنانية بتمويل بقائهم في لبنان؟ معضلةٌ فكّ رموزها والإجابة عنها ليست بالأمر السهل، خاصة وأنّها تحوي في طيّاتها محاولة الطرفين، أقلّه تحويل الأنظار عن مسألة مشاغلة “حزب الله” في الجنوب، كلٌّ باتّجاه معاكس للآخر.
لا شكّ أنّ قدوم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لأوّل مرة إلى لبنان برفقة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس خطوة غير مسبوقة فرضها في الأساس النزوح السوري إلى لبنان، الذي بات الاتّحاد الأوروبي يعتبر أنّه أصبح يشكّل خطراً أمنيًّا وربّما اقتصاديًّا، عليه بحكم أنّ النّازحين يحاولون استبدال البلدان المجاورة التي اضطرّوا إلى اللجوء إليها، وتحديداً لبنان، بدول أوروبا التي تؤمّن لهم بالحدّ الأدنى القدرة على العيش بكرامة بعيداً عن قمع واستبداد نظامهم. كما أنّ هذا السبب بات يشكّل عنصراً ضاغطاً على قبرص عبر البحر وهو ما دفع خريستودوليدس إلى زيارة لبنان للمرة الثانية، بصفته رئيساً لقبرص الجارة وعضواً أيضاً في الاتّحاد الأوروبي. وكان الاتّحاد الأوروبي قد تعهّد بتقديم دعم وتسهيلات مباشرة أو عبر الأمم المتّحدة لاستضافة النازحين في لبنان بعد اندلاع الثورة في آذار 2011 التي عمّت سوريا ضد نظام بشار الاسد، ويصرّ الاتحاد على بقائهم في لبنان طالما هناك مناطق غير آمنة في سوريا لعودتهم.
وبعد مرور ثلاث عشرة سنة، بلغ عدد اللاجئين نحو مليونين أي ما يقارب نصف عدد السكان، ولم يعد لبنان قادراً على تحمّل هذا العبء البشري والديموغرافي والاقتصادي وما يخلّفه من مضاعفاتٍ اجتماعيةٍ وأمنية في مختلف المناطق وعلى مختلف الصعد، عدا عن الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف به منذ نحو خمس سنوات. ولبنان يصرّ اليوم على عودة من بإمكانهم العودة حيث يوجد مناطق آمنة وأن يتمّ تقديم الدعم لهم في تلك المناطق التي يتواجدون فيها. وقد زادت حدة التململ الشعبي والنقمة عندما بسبب تداخل وتعارض الحاجة اليومية وأسلوب الحياة والعادات، وغياب الدولة عن خلق حد أدنى من تنظيم هذا الوجود ما أدّى إلى قيام فوضى على جميع المستويات، وخلق منافسة في بعض مجالات العمل، بالأخصّ في القرى وعلى صعيد الحرف اليدوية. بالإضافة إلى ظاهرة الجريمة والتهريب على أنواعه التي يمارسها سوريون ينتحلون صفة نازحين بالاشتراك مع لبنانيين عبر الحدود اللبنانية-السورية.
ولا بدّ هنا من التذكير أنّ النزوح السوري بدأ عندما كان نجيب ميقاتي رئيساً أصيلاً للحكومة في 2011 وكانت حكومته يومها من لون واحد يطغى عليها الخط الممانع، ورفض ميقاتي يومها الأخذ باقتراح إقامة خيم للنازحين السوريين على الحدود اللبنانية-السورية وعدم تركهم ينتشرون في المناطق والقرى من دون أيّ تمركز حرّ أو تنظيم أو مراقبة. وعملياً قد حصل الأمر نفسه منذ أن عاد ميقاتي إلى رئاسة الحكومة في أيلول 2022. وقد حاولت هذه الحكومة إعادة ترتيب العلاقة مع النظام السوري من دون الاهتمام بهذه المسألة التي بدأت تجعل من السوريين وكأنهم مقيمون دائمون، غير أنّ النظام نفسه لم يتجاوب مع هذه الرغبة.
فهل التمويل الأوروبي الذي بلغ مليار دولار موزعة على ثلاث سنوات حتى عام 2027 هو لقضاء حاجات لبنان الاجتماعية والتربوية والصحية كما أعلنت فون دير لاين مع “رشوة” أراد رئيس الحكومة استعمالها بإعلانه أنّه “تمكّن” من الحصول على قرار بتسهيل سفر من يرغب من اللبنانيين للعمل في أوروبا في مهن وخبرات مهنية وتقنية معيّنة؟ وهل القصد منه تشجيع اللبنانيين على مزيد من الهجرة أكثر من الذين هاجروا خلال هذه السنوات الأخيرة، بدل السعي لإيجاد مجالات عمل لهم في لبنان؟ أم يريد رئيس الحكومة أن يطمئن اللبنانيين أنّ هذه المبالغ ستُصرف من أجل إعادة النازحين من خلال تنسيق المسألة مع النظام السوري من دون مراعاة للجانب القانوني والإنساني؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |