هل يوحّد النزوح المسيحيين وينسيهم الرئيس؟
مسألة النزوح السوري استدعت عقد اجتماع في المقر البطريركي في بكركي شارك فيه مسؤولون سياسيون وعسكريون للاحتجاج على “التقاعس” الأوروبي الساعي برأيهم لحل مشكلة النازحين على حساب لبنان وسيادته وتركيبته الفريدة وديموغرافيته، كما أنها ستؤدي إلى التقاء الطرفين المسيحيين اللدودين “القوات اللبنانية” و”التيار العوني” على التحصن لبنانياً ومسيحياً وراء هذا الموقف
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
هل من يذكر أنّه كان للبنان رئيس للجمهورية؟ وهل من يتذكر أنّ النظام كان رئاسياً ودام 46 سنة ثم تغير في نهاية عام 1989 ليصبح ديموقراطياً برلمانياً بفعل توافق النواب اللبنانيين الذين اجتمعوا في الطائف (السعودية) لوضع حدٍّ لحرب دامت 15 سنة وحصدت ما لا يقل عن 120 ألف قتيل، وانتقلت معه بعض من صلاحيات الرئيس الذي بقي مارونياً إلى مجلس الوزراء مجتمعاً الذي يرأسه سني، فيما كانت تكرست قبل ذلك رئاسة مجلس النواب المنتخب إلى نائب شيعي؟
هناك طبعاً من لا يتذكر هذه المراحل التأسيسية لتركيبة الصيغة اللبنانية، وخصوصاً من هو جديد نسبياً على المعترك السياسي مثل “حزب الله” الذي عرف هذه الصيغة لسبع سنوات فقط كونه نشأ عام خلال الحرب عام 1982 وبعد قيام نظام الخميني في إيران، كما أنّ عقيدته دينية شيعية وهو غير معني بالصيغة اللبنانية. فهو يؤكد ذلك في الشعار الذي يرفعه في علمه: “المقاومة الإسلامية في لبنان”. وهو لم يُعِر بداية اهتماماً للواقع السياسي اللبناني الداخلي، فقد خاض الانتخابات للمرة الأولى بعد عشر سنوات من إعلانه، وشارك في أول حكومة بعد ثلاث وعشرين سنة (2005). كما أنه في بعد تحالفه مع تيار ميشال عون المسيحي كان همه فقط إيصال هذا الأخير إلى الرئاسة إرضاءً لرغباته، وتحويل الرئاسة إلى موقع داعم وهامشي. ولكي يتحقق ذلك فقد عوّد اللبنانيين على ألّا ينتخب رئيس الجمهورية فور انتهاء مدة السلف، أو حتى قبل ذلك بشهرين حسب الدستور، وإنما ببقاء الموقع فارغاً نحو سنتين ونصف السنة (أيار 2014 – تشرين الأول 2016) رغم أنّ “حزب الله” لم يكن يحظى بالأكثرية داخل مجلس النواب وإنما لجأ إلى أسلوب تعطيل النصاب مع الحليف العوني.
واليوم يبدو أنّ لبنان يسير على الطريق نفسه بعد أن مضى على انتهاء عهد عون (تشرين الأول 2022) سنة ونصف السنة حتى اليوم ولا يبدو في الأفق أي بادرة تقرب اللبنانيين من رؤية رئيس في بعبدا في المدى المنظور، على اعتبار أنّ “حزب الله” يقوم بما أسماه “مشاغلة” إسرائيل من جنوب لبنان دعماً لحركة “حماس” التي شنّت هجوماً من غزة وتتابع المعركة اليوم من بعض المواقع في لبنان. ويصر “حزب الله” على الاستمرار في هذه الحرب العبثية وتوريط لبنان وتدمير جنوبه طالما لن يحصل وقف لإطلاق النار في غزة، ويربط مسألة انتخاب الرئيس في لبنان وأي أمر آخر في معركة غزة.
فإن أصبح للبنان رئيس صاحب موقف وطني ومستقل، ألا يمكن أن يساهم في إيجاد حل لهذه الحرب دعماً للفلسطينيين؟ أم أنّ انتخاب رئيس لبنان لا يعنيهم طالما أنه يمكن أن لا يكون حليفاً أو داعماً لسياستهم أو حتى إذا كان محايداً في الداخل وداعماً في الوقت نفسه للقضايا العربية؟
وهذا الأمر يبدو أنه ينعكس على الوساطة العربية والدولية التي تمثلها “اللجنة الخماسية” المؤلفة من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر والتي لا تزال تراوح مكانها منذ نحو سنة، إذ تجتمع وتلتقي هذا الطرف وذاك من دون أن تمارس أي عملية ضغط حقيقية على أي منهم لدرجة باتت تبدو كأنها “تلبننت”، إما أنّ الدول المعنية غير مستعجلة للحل أو أنها أصبحت هي الأخرى تنتظر ما يمكن أن يحصل في غزة أو أصبحنا مرتبطين بالرئاسة الأميركية القادمة وحسابات الاتحاد الأوروبي ومخاوفه من النزوح السوري؟
والدعم “الملغوم” الذي قدمته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين في الساعات القليلة التي زارت فيها بيروت برفقة الرئيس القبرصي أهو لحل مشكلة النزوح وتسهيل عودة السوريين أم لبقائهم في لبنان؟ هذه المسألة استدعت عقد اجتماع في المقر البطريركي في بكركي شارك فيه مسؤولون سياسيون وعسكريون للاحتجاج على “التقاعس” الأوروبي الساعي برأيهم لحل مشكلة النازحين على حساب لبنان وسيادته وتركيبته الفريدة وديموغرافيته، كما أنها ستؤدي إلى التقاء الطرفين المسيحيين اللدودين “القوات اللبنانية” و”التيار العوني” الذي في طريقة للتحول إلى باسيلي، على التحصن لبنانياً ومسيحياً وراء هذا الموقف!
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |